الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي بين ثناء العلماء وسفاهة الجهلاء   أقوال العلماء في جماعة التبليغ   موقف الإسلام من عيسى ـ عليه السلام   توضيح   دفع أكذوبة المجالس السرية   تقديم الشيخ ربيع لكتاب: سُلوان السَّلَفِي عند كَيدِ الخَلَفي   حكم بناء الكنائس في بلاد المسلمين   الرد على الدكتور عباس شومان   تعليقات على طعونات الشيخ محمد بن هادي في أناس أبرياء مما يصفهم به   منزلة إصلاح ذات البين في الإسلام   نصيحة للسلفيين في الجزائر بالاجتماع وعدم الافتراق   دحر مغالطات الحجوري ودفع مخالفاته في كتابه الإجابة (الحلقة الثالثة)   دحر مغالطات الحجوري ودفع مخالفاته في كتابه الإجابة ( الحلقة الثانية )   دحر مغالطات الحجوري ودفع مخالفاته في كتابه الإجابة ( الحلقة الأولى )   مؤاخذات على شيخ الجامع الأزهر أحمد الطيب ( الحلقة الثالثة )   لا يا شيخ الأزهر، يجب عليك أن تسلك مسلك العلماء في إدانة ابن عربي في تصريحاته بوحدة الوجود ( الحلقة الثانية )   مؤاخذات على شيخ الجامع الأزهر أحمد الطيب ( الحلقة الأولى )   الخيانات والغدر من شر أنواع الفساد في الأرض   كلام أئمة الإسلام حول أحاديث الشفاعة التي لايرفع الخوارج الحدادية بها رأساً.   تحذير أهل السنة السلفيين من مجالسة ومخالطة أهل الأهواء المبتدعين   استهداف الروافض الحوثيين مكة المكرمة بصاروخ باليستي إنما هو امتداد لأعمال أسلافهم القرامطة الباطنية   بيان بطلان دعاوى أهل مؤتمر الشيشان   تصريحات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بتواتر أحاديث الشفاعة وأنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان   وضوح البرهان يدمغ مخالفات عادل آل حمدان – الحلقة الأولى   أحاديث الشفاعة محكمة وليست من المتشابه كما يقول ذلك الخوارج الجدد؛ فيجب التسليم بها واعتقاد ما دلت عليه.   نصيحة للمسلمين عمومًا والسلفيين خاصة، في ليبيا وغيرها من البلاد الإسلامية.   أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون   توجيه العلامة ربيع المدخلي، لبعض الشباب في المغرب العربي الذين ينكرون بعض بدع المقابر، ويترتب على ذلك مشاكل كبيرة   التكلف في قراءة القرآن أنكره أئمة السلف رحمهم الله   دحض أباطيل عبد الحميد الجهني التي أوردها في كتابه المسمى زورًا بالرد العلمي – الحلقة الخامسة

(الحلقة الأولى) النهج الثابت الرشيد في إبطال دَعَاوَى فالح فيما سماه بـ ” إشراع الأسنة ” و ” التحقيق السديد ” .

شارك عبر

https://rabee.net/?p=116

 

النهج الثابت الرشيد في إبطال دَعَاوَى فالح

 

فيما سماه بـ ” إشراع الأسنة ” و ” التحقيق السديد “

 

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه ، أما بعد :

 

فقد اطلعت هذه الأيام على مقال لفالح سماه بـ ” إشراع الأسنة في دحض افتراءات المدخلي على أهل السنة ” ( 1) ، وكتابًا سماه بـ ” التحقيق السديد في الاجتهاد والاتباع والتقليد ” ، يزعم فيهما أنه يرد عليَّ في قضية التقليد ، ويدعي وغيره عليَّ أني أحرم التقليد مطلقًا ولم أفصل فيه ، وهي دعوى باطلة ، فأنا ذكرت له في نصيحتي أنه لا بد من الدعوة إلى التمسك بالكتاب والسنة ؛ لأنه تشدد في الدعوة إلى التقليد ، وحكم على من لا يقلد أمثاله بأنه قد نسف الرسالات السماوية والكتب التي نزلت على الأنبياء وأحكامًا أخرى من هذا النوع .

 

وتعرضت في هذه النصيحة لمن يجب عليه اتباع الكتاب والسنة ، ومن يجوز له التقليد ، ذكرت ذلك في نصيحتي أربع مرات .

 

فذهب يدَّعي عليَّ أني قد غلوت في محاربة التقليد وأني لم أفصل فيه ، وهذه دعوى باطلة افتعلها عليَّ لينطلق منها إلى محاربتي ، واستمر على محاربتي بهذه الدعوى الباطلة التي يعرف هو وغيره أنها كذب صراح ، استمر فيها رغم بياني مرات بطلان هذه الدعوى إلى يومنا هذا .

وما كفاه هذه الحرب الطويلة القائمة على الهوى والباطل حتى أصدر هذين الكتابين اللذين أتى فيهما بالعجائب والغرائب .

 

يفعل هذه الأفاعيل وهو يعلم أن هناك أئمة كبار منهم الأئمة الأربعة كانوا ينهون عن التقليد نهيًا مطلقًا لا تفصيل فيه ولا استثناء .

 

ويفعل هذه الأفاعيل وهو يعلم أن هناك من كبار العلماء من ألّفوا كتبًا في ذم التقليد والتحذير منه ؛ لأنه كابوس خطير جثم على صدر الأمة ، فأرادوا بهذه المؤلفات القائمة على الأدلة والبراهين إزاحة هذا الكابوس عن صدر الأمة .

 

وفالح ألَّف كتابه : ” التحقيق السديد ” لا لتحقيق هذه الغاية وإنما لأجل غايات أخرى .

•منها ليثبت أن التقليد أصل من أصول الإسلام .

•ومنها ليُثبت للناس أن التقليد الذي هو اتباع أمرٌ قد قام عليه الإجماع ؛ ليخالف أقوال وجهود العلماء في التفريق بين التقليد والاتباع .

•ومنه ليوسع دائرة الحرب على ربيع الذي نصحه عن الغلو في التقليد وعن الأحكام الغليظة الجائرة على من لا يلزمه التقليد ؛ بل يلزمه الاتباع .

ومن هنا لم يشر فالح إلى المؤلفات التي أُلِّفت لربط الناس بالكتاب والسنة ولإزاحة كابوس التقليد المحرّم القاتل للعقول عن صدر الأمة ، أو عن كثير من علمائها ، أو للتخفيف من وطأة هذا الكابوس ، ولم ينقل أقوال الأئمة الأربعة ، ومنهم : الإمام أحمد في الزجر الأكيد عن التقليد .

وقد ينقل عن بعض العلماء نصوصًا في التحذير من التقليد وذلك من باب التلبيس والتمويه وذر الرماد في العيون ؛ يؤكد ما أقول ما قدمته من غاياته ، ويؤكده أنه يقابله بما ينقضه من الأقوال التي تؤيد غاياته الفاسدة .

فما رأي العقلاء المنصفين في هذا الرجل ، وأحكامه ، وتأليفه لهذا الكتاب !؟

 

طريقتي في الرد على فالح

 

ستكون – إن شاء الله – على طريقة الإمام محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي المقدسي – رحمه الله – في ” الصارم المنكي في الرد على السبكي ” حيث يقول – كما نقل ذلك عنه فالح في التحقيق ( ص 10 – 11 ) – حيث قال : قال العلامة محمد بن عبد الهادي – في ” الصارم المنكي ” : ( ص 15 ) : ” وهذا المعترض يعلم أن ما نقله هذا القاضي المشهور بما لا أحب حكايته عنه في هذا المقام عن شيخ الإسلام من هذا الكلام كذب مفترى ، لا يرتاب في ذلك ، ولكنه يطفف ويداهن ويقول بلسانه ما ليس في قلبه .

… فلما وقفت على هذا الكتاب المذكور أحببت أن أنبه على بعض ما وقع فيه من الأمور المنكرة والأشياء المردودة وخلط الحق بالباطل ، لئلا يغتر بذلك بعض من يقف عليه ممن لا خبرة له بحقائق الدين ، مع أن كثيرًا مما فيه من الوهَم والخطأ يعرفه خلق من المبتدئين في العلم بأدنى تأمل – ولله الحمد – ، ولو نوقش مؤلف هذا الكتاب على جميع ما اشتمل عليه من الظلم والعدوان والخطأ والخب والتخليط والغلو والتشنيع والتلبيس ، لطال الخطاب ولبلغ الجواب مجلدات ، ولكن التنبيه على القليل مرشد إلى معرفة الكثير لمن له أدنى فهم .

… هذا مع سرده كلام الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة … ” – إلى أن قال : – ” وزعمه أن الشيخ يخالفهم فيما قالوه ، مع العلم بأنه موافق لهم فيما نقل عنهم لا مخالف لهم ، وإنما مقصود هذا المعترض تكثير الكلام وجمع ما أمكن ليَعْظم حجم الكتاب “ . ( 2)

أقول : نقل فالح كلام ابن عبد الهادي ليطعن به فيَّ وهو أحقُّ بذلك فما قاله الإمام ابن عبد الهادي في كتاب السبكي من الأوصاف الرديئة موجود مثله في كتاب فالح المسمى بـ ” التحقيق السديد ” .

 

(1)ففالح يكذب ويفتري عليَّ ، ويُطفِّف ويُداهن ، ويقول بلسانه ما ليس في قلبه .

(2)ولقد اشتمل كتاب فالح على الظلم والعدوان ، والخطأ والخبط والتخليط كما هو حال كتاب السبكي .

(3)واشتمل على الغلو والتشنيع والتلبيس ما لو ناقشناه لطال الخطاب ولعلَّه يبلغ مجلدات .

 

على أن غلو السبكي كان في أفضل البشر محمد – صلى الله عليه وسلم – الذي حذَّر من الغلو في شخصه الكريم – صلى الله عليه وسلم – . فالسبكي مخالف لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – بما وقع فيه من الغلو في رسول الله – صلى الله عليه وسلم – .

أما فالح فغلوه في نفسه الجاهلة الظالمة الغبية ، وسأضرب مثلاً لغلوه هذا . (3)

وغلوه في أصوله الفاسـدة ، وأباطيله الكاسدة القائمة على الكذب والتحريف . (4)

(1)قال ابن عبد الهادي عن السبكي : ” وقد أطال مؤلف هذا الكتاب فيه بذكر الأسانيد وتكرارها … ” إلخ .

وفالح أطال في نقل كلام العلماء التي ينزلها في غير منازلها ، ولا داعي لتأليف هذا الكتاب – أصلاً – فضلاً عن إكثار النقل فيه للتشبع به ، ولكن الرجل له أغراض رديئة أشرنا إلى بعضها فيما سلف .

(2)ومما قاله ابن عبد الهادي هنا : ” هذا مع سرده كلام الحنفية والمالكية ، والشافعية والحنابلة ، ونقله عنهم من مناسكهم وغير مناسكهم استحباب زيارة قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وزعمه أن الشيخ يخالفهم فيما قالوه مع العلم بأنه موافق لهم فيما نقل عنهم لا مخالف لهم ” .

(3)وما قاله الإمام ابن عبد الهادي هنا في عمل السبكي في كتابه قد فعل مثله فالح فيما نقله عن العلماء في كتابه .

السبكي ينقل كلام أهل المذاهب ، ويكثر من النقل عنهم ليدين شيخ الإسلام بمخالفتهم ، وهو مبطل متجن على شيخ الإسلام فإنه لم يخالفهم في جواز زيارة قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – وصاحبيه وأهل البقيع وأحد .

وإنما قرَّر تحريم شد الرحال إلى قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – وغيره بناء على قوله – صلى الله عليه وسلم – : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى ) ، وبناء على هديه – صلى الله عليه وسلم – ، وهدي خلفائه الراشدين ، وصحابته الأكرمين ، والتابعين لهم بإحسان في أنهم لم يشدوا الرحال لا إلى قبور الأنبياء ولا إلى غير قبورهم .

والكلام – في هذا – مبسوط في مؤلفات – هذا – الإمام ، وفي ” الصارم المنكي ” .

وفالح أكثر من النقل جدًا ليوهم الناس أن ربيعًا خالف أهل العلم المنقول عنهم ؛ مع أن ربيعًا هو الموافق مائة في المائة لهؤلاء العلماء في التقليد والاتباع والاجتهاد وغيرها من الأمور العقدية والمنهجية والعلمية .

قال ابن عبد الهادي في السبكي : ” وإنما مقصود هذا المعترض تكثير الكلام وجمع ما أمكن ليعظم حجم الكتاب ” .

وفالح شابه السبكي في مقصوده وفعله ليعظم حجم كتابه ، على أن السبكي عالم غلب عليه الهوى ، وفالح جاهل غلب عليه الهوى .

ولو كان عند فالح أدنى مسكة من عقل لردعه كلام ابن عبد الهادي عن تأليف هذا الكتاب الذي لم يستح أن يسلك فيه مسلك السبكي في الخلط والخبط ، والتخليط والتلبيس … إلى آخر ما وصف به ابن عبد الهادي عمل السبكي .

هذا ولفالح عجائب وغرائب تدلُّ على غبائه وجهله وتعلقه بما هبَّ ودبَّ ، وعجائبه وغرائبه كثيرة منها : 

•أولاً : أنه لا يفرق بين الاتباع والتقليد الذي يسميه اتباعًا ، ويدعي على ذلك الإجماع .

•ثانيًا : ومنها التناقضات الغريبة التي لا تصدر إلا من أمثاله .

•ثالثًا : وسلك في كتابه ” التحقيق ” ، – وما هو بتحقيق وإنما هو تلفيق- سلك مسلكًا عجيبًا في تتبع الأقوال الشاذة ، مخالفًا منهج السلف في النهي عن تتبع الغرائب والشواذ .

قال الإمـام شعبة بن الحجاج : ” لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ ” . ( 5)

ينسى فالح تصريحات أئمة الإسلام بوجوب اتباع الكتاب والسنة ، والنهي عن التقليد والتشديد في ذلك . ويترك واقع الأمة الواضح الجلي وعلى رأسهم علماؤهم في التفريق بين التقليد والاتباع وذمّهم للأول وحمدهم وإيجابهم للثاني وأدلتهم لا تحصى على ذلك .

يترك فالح هذا الواقع الجلي المتواتر بين العلماء وطلاب العلم بل والعوام في التفريق بين الاتباع والتقليد ، ويذهب يفتش وينقب عن الأقوال الغريبة التي لا يعرفها كثير من العلماء ولا يستخدمونها في مؤلفاتهم ولا في دروسهم ولا في مجالسهم فإذا وجدها فالح لا بِكدِّه ولا بسعة علمه بل سهل له ذلك استخدام الحاسب الآلي بنقرة أو نقرتين فإذا وجدها ذهب يصيح بها متباهيًا بذلك ليُقنع الناس بشواذه وليُصحح بذلك دعوته الباطلة إلى التقليد الأعمى لأمثاله .

•رابعًا : ومن عجائبه أنه يترك أقوال الإمام أحمد المشهورة في الدعوة إلى الاتباع ونهيه الشديد عن التقليد ، ولو لكبار الأئمة كمالك والأوزاعي والثوري ، ونهي سائر الأئمة عن التقليد وأمرهم بالاتباع .

وينسى مؤلفات الأئمة في دعوة الناس إلى الاعتصام بالكتاب والسنة ، وفي ذم التقليد والنهي عنه . ينسى كل هذا ويتعلق بكلمة منسوبة إلى الإمام أحمد لم تثبت عنه أو بعبارات بدرت من أناس قصدهم قطعًا غير قصده ومنهجهم غير منهجه دعوةً وأحكامًا ؛ فإن قصدهم اتباع الكتاب والسنة ، وهم في الوقت نفسه يحرمون التقليد الذي يدعو إليه فالح وأمثاله .

فالح يريد أن يقلد الناس شخصه وأمثاله في أمور يعرفها الخاص والعام ؛ يُلزِم بها أساتذة في الشريعة ، ومن في مستواهم ممَّن الواجب أن يدعوهم إلى اتباع الكتاب والسنة ومنهج السلف لا إلى تقليده وأمثاله .

ولو كان فالح يعقل لما قبل هذه العبارات والفلتات التي لا يسلم منها العلماء ، ولا يقبلها منهم النصحاء ؛ فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، على هذا سار السلف الناصحون والأئمة المهديون .

•خامسًا : ومن عجائبه تأليف هذا الكتاب الذي سماه ” التحقيق السديد في الاجتهاد والاتباع والتقليد – رد على ربيع المدخلي – ” من ( 195 صحيفة ) ، وما هو بتحقيق ولا سديد .

لقد نقل فيه عن العلماء أقوالاً كثيرة ؛ منها ما يفهمه ومنها ما لا يفهمه ، وليس فيها أي رد عليَّ لا من قريب ولا بعيد ؛ لأني على منهج أئمة الإسلام في الاجتهاد والاتباع والتقليد وغير ذلك ، فتأليفه لهذا الكتاب باسم الرد على ربيع مبني على شفا جرف هار ، ومن فعل السفهاء الجهلة الذين يضعون الأمور في غير مواضعها فانهار بناؤه وطوَّح به إلى مكانٍ سحيق .

وقد يقع فيه في تناقضات لا يدركها المسكين ، وقد يسوق كلامًا يَرُدُّ به على نفسه من حيث لا يشعر ! ، وسبب ذلك تعلقه بالتقليد الباطل الذي ينافح عنه وفي الوقت نفسه يريد أن يوهم الناس أنه من الدعاة إلى الكتاب والسنة ، فهو كالشاة العائرة بين غنمين ، فأين هو التحقيق السديد !؟

لا يستحق عمله إلا أن يسمى بـ : ” التلفيق البليد ” .

والحكيم من يضع الأشياء في مواضعها ، وهذا المسكين لحماقته وضع هذه النقول كلها في غير مواضعها ؛ لأن جهده كله قام على أساس كاذب ، وهو أني أحرم التقليد مطلقًا وواقعي يكذِّبه ؛ ولا سيما نصيحتي التي انْطَلَقَ منها إلى الكذب والفتن والشغب الباطل في قضية التقليد وغيرها من القضايا التي يفتريها عليَّ ، وقد رددتُ عليها جميعًا ردودًا علمية قائمة على الأدلة والبراهين ، ولكن لا حياة ولا حياء لمن تنادي .

ومن البلية عذل من لا يرعوي … عن جهله وخطاب من لا يفهم

•سادساً : ومن عجائبه إكثاره من أشعار يسوقها – أيضًا – في غير مواضعها تبجحًا بها وتشبعًا بما لم يُعط ، وما هو بعيد عنه كبعد الثرى من الثريا ، فتراه أحيانًا يفتخر بهذه الأبيات وأحيانًا بتلك ، وكأنه في سُوق عكاظ في أيام الجاهلية ! ، وأحيانًا يسوقها مساق من يرى نفسه في قمَّة التمسك بالسنة كأن أهل السنة لا يعرفونه ، ولا يعرفون واقعه ، ولا يعرفون منهجه وأصوله الفاسدة التي يدعو إليها وينافح عنها بنشاط لا يُعرَف له عشر معشاره في نصرة السنة وأهلها وفي الدعوة إليها !

•سابعًا : ومن عجائب غروره وتعاليه قوله الآتي في (1/5) من ” التحقيق السديد ” : ” والحامل على هذا الرد أمر لا يسوغ السكوت فيه (6) بحال ؛ لأنه في حقيقته ونتيجته هدم للدين في شخصي ، فجميع ما افتراه المردود عليه موجه إلى الطعن في الديانة بحجة مزورة هي أنني وقعت في ضلالات ويقال عني : ” … زنيتِ ، سرقتِ ” ؛ فلو سكت ولم أرد هذا الباطل ، وذلك الضلال والعدوان ببيان الحق الذي عليه إجماع أهل السنة والجماعة كنت خائنًا لديني وأمتي ، وجانيًا على الإسلام وأهله ، كاتمًا للحق ، مقرًا الباطل ، جالبًا على نفسي الكفر والضلال في الدنيا والهلاك في الآخرة ، والله المستعان على ما يصفون . (7)

ولما لم أبادر برد باطله استشرف الناس للفتنة ، وانجفلوا وراءه ، وكان إحجامي بعض الوقت عن الرد عليه كتابة انتظارًا لهدوء الثورة التي أحدثها ، ولنظر العلماء والمشايخ وطلاب العلم في كلامه وردودهم عليه ؛ لأن جهالاته وأباطيله وضلالاته لا تخفى على ذوي البصيرة ؛ وذلك لكونها موجهة إلى الدين ، بل إلى أصوله ، وليس لمجرد شخصي ، وأثناء المدة التي سبقت ردودي لم أسكت ، بل إذا سئلت بينت ضلاله .

وقد كثرت الردود عليه من العلماء لما سئلوا ومن غيرهم ” . اهـ .

أقول :

(1)انظر إلى هذا الجهول المغرور كيف يذهب بنفسه بعيدًا ، ويرفع نفسه إلى مرتبة عالية فوق العلماء وسائر الناس ، فمن يناقشه فإنَّما يهدم الدِّين في شخصه ! ويرى نفسه إمامًا للأمَّة وشيخ الإسلام وأهله ، فإذا سكت عن الردِّ على ربيع كان خائنًا لدينه ولأمَّته ، وجانيًا على الإسلام وأهله ، ومقرًا للباطل ، وجالبًا على نفسه الكفر والضلال في الدنيا والهلاك في الآخرة .

هذا كلَّه في سكوته عن ربيع . أمَّا سكوته عن غيره فلا يضرُّ بإمامته ومنزلته العظيمة وقيادته للأمَّة ، ولا يُعَدُّ كتمانًا ولا خيانةً ولا ولا … !!

كيف يسكت عن ربيع الذي تجرَّأ على الإمام العظيم فالح !؟ فقدَّم له نصيحة يدعوه فيها إلى مراعاة المصالح والمفاسد ، ويدعوه فيها إلى الدعوة إلى الكتاب والسنَّة على طريقة السَّلف ، وينهاه عن الغلو في التقليد والأحكام العظيمة على من لا يقلِّده وأمثاله ، ولو فرَّق ربيع بين من يجب عليه اتباع نصوص الكتاب والسنَّة والرجوع إليها ، وبين من يُعذر لقصوره عن فهم نصوص الكتاب والسنَّة فله أن يقلِّد عالمًا بالكتاب والسنَّة ؛ فربيع بهذه النصيحة قد هدم الكتاب والسنَّة في شخص هذا الإمام فالح وخالف الإجماع ؛ لأنَّ هذا كلَّه تطاول على منزلة هذا الإمام ولو قال العجائب والطوامّ !!

وهذا الغلو من فالح في تمجيد نفسه يذكرنا بتمجيد أحد الغلاة فيه والنافخين فيه حيث مدحه بمقولة منها : ” … وإذا تكلَّم أنصت له الطير … حوى العلوم والفنون ، وأطاب السنون ، وأشار إلى أهل المعرفة بالبساط … فرضيناه هاديًا مهديًا ” !

ورحَّب حدادية فالح بهذا التمجيد ، وقال أحدهم : ” إنَّ شيخنا يستحق أكثر من ذلك ” !!

ولمَّا انتقد أحد السلفيين هذا الغلو الفظيع بأسلوب علمي هاج فالح وماج وأهان هذا الذي انتقد هذا الغلو الذي يُشبه غلو الباطنية في أئمتهم ! وعاتب فالح ” شبكة سحاب ” التي نشرت هذا النقد عتاب المتعالين .

ويكفي في الدلالة على رضاه بهذا التمجيد المسرف في الغلو أنَّه انزعج من انتقاده ، ولم يعتب على من أيَّده ، ولا وقف من ذلك كلِّه موقف المتواضعين . ثمَّ يأتينا اليوم في ” تحقيقه السديد ” ! بما يمجِّد به نفسه أبلغ التمجيد ممَّا يؤكِّد رضاه بذلك التمجيد !

(2)من هم العلماء الذين كثرت ردودهم على ربيع ؟! هل درسوا كتبه وأشرطته وردوا عليه ، ونشروا هذه الردود ، وكيف حال الأسئلة التي سُئِلوها ، ومن هم السائلون !؟

ثم إذا كان العلماء قد كثرت ردودهم ، أما كان يسعك السكوت ، أو قلة الكلام على الأقل !؟ وكيف تكون خائنًا لدينك وأمتك ، وجانيًا على الإسلام وأهله كاتمًا للحق جالبًا على نفسك الكفر ، وقد كثرت ردود العلماء عليه حسب دعواك المزعومة !؟ نريد أن نعرف المكانة العظيمة التي تبوأتها في الإسلام والأمَّة حتَّى أن كثرة ردود العلماء لا تدفع عنك الكفر والضلال إن لم تحارب هذا الضلال !؟

وأريد أن أعرف كيف لا يؤاخذك الله بالسكوت عن اليهود والنصارى ، والروافض والعلمانيين ، والقبوريين والحزبيين على اختلاف أحزابهم ، ولا تجلب على نفسك بهذا السكوت والسكون الكفر والضلال على حد قولك ومنهجك !؟

•ثامنًا : ومن غرائب غرور فالح وغبائه وسخفه تشبيه تخبطاته وجهالاته في كتابه الهزيل بغزارة علم الشوكاني وتحقيقاته العلمية في كتابه ” السيل الجرار ” ! ، حيث يقول في ( ص 8 ) من المسمى زورًا بِـ ” التحقيق السديد ” : ” ثم أقول في كتابي هذا بقول الإمام محمد بن علي الشوكاني – في مقدمته على ” السيل الجرار ” – : ” وستقف يا طالب الحق بمعونة الله – سبحانه – في هذا المصنف على مباحث تشد إليها الرحال ، وتحقيقات تنشرح لها صدور فحول الرجال ، لما اشتمل عليه من إعطاء المسائل حقها من التحقيق … ” .

وما نكتبه نوافق فيه ما قاله الإمام العلامة ابن قتيبة في كتابه ” الاختلاف في اللفظ ” : ( ص 20 ) : ” وسيوافق قولي هذا من الناس ثلاثة :

-رجلاً منقادًا سمع قومًا يقولون فقال كما قالوا ؛ فهو لا يرعوي ولا يرجع ؛ لأنه لم يعتقد الأمر بنظر فيرجع عنه بنظر .

-ورجلاً تطمح به عزة الرئاسة ، وطاعة الإخوان ، وحب الشهرة ، فليس يرد شهوته ولا يثني عنانه إلا الذي خلقه إن شاء ؛ لأن في رجوعه إقراره بالغلط ، واعترافه بالجهل ، وتأبى عليه الأنفة ، وفي ذلك – أيضًا – تشتت جماح وانقطاع نظام ، واختلاف إخوان ، عقدتهم له النحلة والنفوس لا تطيب بذلك إلا من عصمه الله ونجَّاه .

-ورجلاً مسترشدًا يريد الله بعمله لا تأخذه فيه لومة لائم ، ولا تدخله من مفارق وحشة ، ولا تلفته عن الحق أنفة ، فإلى هذا بالقول قصدنا وإياه أردنا ) . اهـ .

أقول : ما هي المسائل العظيمة التي حققتها التي تنشرح لها صدور الفحول !؟ ما أرى أن صدور الفحول ستنشرح لها وأنت لا تفرق بين التقليد والاتباع ؛ كالذي لا يفرق بين التمرة والجمرة ، أو كالذي لا يفرق بين العلم والجهل ، ويراهما سيَّان أو شيئًا واحدًا .

وهل ستنشرح صدور الرجال الفحول لتخبطاتك وتناقضاتك وحشرك لأقوال العلماء في غير مواضعها !؟ وأنصارك الحدادية يُعتَبَرُون من القسمين الأولين اللذين ذكرهما ابن قتيبة .

أين أنت من الشوكاني وابن قتيبة اللذين جابها فرق الضلال ، وأنت تضلل أهل الحق وترمز إلى تكفيرهم !؟

أين أنت من الشوكاني الذي يحارب التقليد في مؤلفاته ، وله مؤلف خاص في ذم التقليد والتحذير منه ، وأنت تحامي عن التقليد !؟

سارت مشرقة وسرت مغربًا … شتان بين مشرق ومغرب

وأكاد أجزم أنك ما عرفت قدر نفسك .

•تاسعًا : ومن عجائب تعلقه بالتقليد الباطل ، وأنه في نظره أصل من أصول الدِّين نَقْلُهُ عن القرطبي في (1/43) من ” التحقيق السديد ” قوله : ” أما التقليد في الحق ، فأصل من أصول الدين ، وعصمة من عصم المسلمين ، يلجأ إليها الجاهل المقصر عن درك النظر ” .

وأعاده بشكل أوسع في (2/11) من ” التحقيق السديد ” ، وسوف نناقشه – إن شاء الله – هناك .

•عاشرًا : تجرؤه على التلفيقات والأكاذيب ودعاوى الإجماع على أباطيله التي ينسبها كذبًا إلى أهل السنة فمن ذلك ما أسلفناه من كلامه في الفقرة السابعة ، وقوله في ( ص 17 ) من ” إشراع الأسنة ” : ” وكما ذكرنا الخلاف معه في أمور عظيمة في مسائل الإيمان ومنها الإرجاء ، وأن الخوارج غير مرجئة عنده ، وما يتعلق بالروح والبرزخ وأنها عنده لا تلتقي الجسد إلا يوم القيامة يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجًا – هكذا هو نص كلامه – ، والتقليد الذي هو اتباع – وهكذا نص عليه كثير من العلماء بل هو إجماع – ، ودليله قوله تعالى : ﴿ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ ، والتنازل عن الأصول ! فهو يرى التنازل عن الأصول ، وهذا يشمل مسائل الإيمان وغيرها التنازل عن جميع أصول الإسلام ” .

أقول :

(1)هذه الاتهامات الظالمة قد دفعناها مرات وكرات بالأدلة والبراهين ، ومع ذلك يصر فالح وطائفته الحدادية على تردادها ، وانظر كتابي ” سماحة الشريعة الإسلامية ” ، و ” رد الصارم المصقول ” ، و ” أصول فالح ومآلاتها ” ، و ” عقيدة الشيخ ربيع في عذاب القبر ” للأخ أحمد ابن يحيى الزهراني ، وهو رد على دعاوى لفالح باطلة في أني أنكر عذاب القبر وأني على مذهب الخوارج والمعتزلة والفلاسفة . (8)

وهذه الردود منشورة في موقعي ومتداولة بين الناس ، والحمد لله .

(2)قوله : ” والتقليد الذي هو اتباع ، وهكذا نص عليه كثير من العلماء بل هو إجماع … إلخ ” ، من أوضح الأدلة على غلوه في التقليد ، وأنه يتعلق بخيوط العنكبوت لدعم ما يوافق هواه .

فأطالبه بإثبات هذا الإجماع المزعوم ، فالله قد عصم هذه الأمة من الإجماع على الباطل .

والحق أنه قد فرَّق أئمة الإسلام بين التقليد والاتباع كما يفرقون بين الجهل والعلم ، والظلمات والنور ، وكما فرَّق الله بين أهل الجهل وأهل العلم ، قال تعالى : ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ . [ الزمر : 9 ] ، وكما فرَّق الله بين الظلمات والنور ، والظل والحرور ، والأحياء والأموات .

وفي القرآن الكريم ، وفي السنة النبوية ، وكلام أئمة الإسلام نصوصٌ لا تُحصى في إيجاب اتباع نصوص الكتاب والسُّنَّة والعمل بها ، ووعيد شديد على من لم يعمل بها . ولم يَرِد شيء من ذلك في الحثِّ على التقليد بل ورد ذم التقليد في غير موضع من كتاب الله تعالى ، فكيف يُسوَّى بين الظلمات والنُّور ، أو يُجعل النور عينَ الظلام !؟

قال أبو عمر ابن عبد البر – رحمه الله – في ” جامع بيان العلم وفضله ” : (2/975 – 989) : ” باب فساد التقليد ونفيه والفرق بينه وبين الاتباع : قد ذم الله تبارك وتعالى التقليد في غير موضعٍ من كتابه ، فقال : ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا من دُونِ اللهِ ﴾ ، وروي عن حذيفة وغيره قال : ( لم يعبدوهم من دون الله ولكنهم أحلوا لهم وحرموا عليهم فاتبعوهم ) ، وقال عدي ابن حاتم : ( أتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وفي عنقي صليبٌ ، فقال لي : يا عدي بن حاتم ! ألق هذا الوثن من عنقك . وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة حتى أتى على هذه الآية : ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا من دُونِ اللهِ ﴾ . قال : فقلت : يا رسول الله ! إنا لم نتخذهم أربابًا ، قال : بلى ؛ أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه ، ويحرمون عليكم ما أحل الله لكم فتحرمونه !؟ فقلت : بلى ، قال : فتلك عبادتهم ) … ” . اهـ .

وساق آيات بهذا الصدد وبعض الأحاديث والآثار .

… إلى أن قال : ” قال عبد الله بن المعتز : لا فرق بين بهيمة تُقاد وإنسان يقلِّد ” .

وهذا كلُّه لغير العامة فإن العامة لا بد لها من تقليد علمائها عند النازلة تنزل بها لأنها لا تتبين موقع الحجة ولا تصل – بعدم الفهم – (9) إلى علم ذلك لأن العلم درجات لا سبيل منها إلى أعلاها إلا بنيل أسفلها وهذا هو الحائل بين العامة وبين طلب الحجة والله أعلم .

ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها ، وأنَّهم المرادون بقول الله – عز جل – : ﴿ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ ، وأجمعوا على أن الأعمى لا بد له من تقليد غيره ممن يثق بميزه بالقبلة إذا أشكلت عليه ؛ فكذلك من لا علم له ولا بصر بمعنى ما يدين به لا بد له من تقليد عالمه ، وكذلك لم يختلف العلماء أن العامة لا يجوز لها الفتيا وذلك والله أعلم لجهلها بالمعاني التي منها يجوز التحليل والتحريم والقول في العلم ” . اهـ . (10)

وقال ابن القيم – رحمه الله – في ” إعلام الموقعين ” : (2/170 – 171) : ” فإن قيل : فأنتم تقرون أن الأئمة المقلدين في الدين على هدى ، فمقلدوهم على هدى قطعًا ؛ لأنهم سالكون خلفهم . قيل : سلوكهم خلفهم مبطل لتقليدهم لهم قطعًا فإن طريقتهم كانت اتباع الحجة والنهي عن تقليدهم كما سنذكره عنهم – إن شاء الله – ، فمن ترك الحجة وارتكب ما نهوا عنه ونهى الله ورسوله عنه قبلهم فليس على طريقتهم وهو من المخالفين لهم وإنما يكون على طريقتهم من اتبع الحجة وانقاد للدليل ولم يتخذ رجلاً بعينه سوى الرسول – صلى الله عليه وسلم – يجعله مختارًا (11) على الكتاب والسنة يعرضهما على قوله وبهذا يظهر بطلان فهم من جعل التقليد اتباعًا وإيهامه وتلبيسه بل هو مخالف للاتباع ، وقد فرق الله ورسوله وأهل العلم بينهما كما فرقت الحقائق بينهما (12) ؛ فإن الاتباع سلوك طريق المتبع والإتيان بمثل ما أتى به ” .

(3)وقد ألَّف العلماء كتبًا في ذم التقليد وذم أهله مثل ابن عبد البر في ” جامع بيان العلم ” ، ومثل أبي شامة والسيوطي في ” الرد على من أخلد ” ، والفلاني في ” إيقاظ الهمم ” ، والصنعاني والشوكاني ، وطعن فيه ابن القيم وفي أهله من حوالي ثمانين وجهًا قائمة على الأدلة والبراهين من كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – ، وطعن فيه وحذَّر منه الأئمة : أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، وغيرهم من أئمة الإسلام . وسيأتي كلامهم الذي تضمنته نصيحتي لفالح .

فهل يحارب الأئمة ويذمون أصلاً من أصول الدين !؟ وهل يحاربون أمرًا من أمور الدِّين مجمعًا عليه !؟

إنَّ هذا لهو الطَّعن الشديد في أئمة الإسلام ، وتلاعب بنصوص الكتاب والسنَّة .

•حادي عشر : من عجائب فالح وأكاذيبه ، وتحريفاته ومكابراته ، وخياناته العلمية ما يأتي : قال فالح في (1/25) من ” التحقيق السديد ” – كما يزعم – : ” ومن ذلك افتراؤه عليّ – وهو من بين افتراءاته عليّ العديدة – بأنني أدعو إلى التقليد المحرم الذي يقول عنه هو – فيما كتبه في إحدى نشراته المغرضة التي نشرها بتاريخ 24/2/1425 هـ – : ” أصل من أصول الشرك في أمم الضلال !! ” .

وكرر فالح هذا البتر مرتين في ( ص 31 ) من تحقيقه .

ولم يكتفِ بهذا البتر من نصيحتي له ؛ بل أضاف إلى ذلك أعجوبة أخرى من خيانته وبتره ، فقال خاطفًا من نصيحتي الكلام الآتي : ” أخي ، إن رسالات الرسل … جاءت بهدم التقليد الذي هو أصل من أصول الشرك في أمم الضلال .. ” !

ثم قال فالح : ” لم تأت رسالات الرسل بهدم التقليد عمومًا كما تزعم ، وإنما جاءت بهدم التقليد : ” الذي هو أصل من أصول الشرك في أمم الضلال ” ، وهو تقليد الآباء والأجداد ، واتباع أعراف الناس والأمم المخالفة للشرع ولم تبن على الدِّين : ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ﴾ ، ﴿ إِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا ﴾ . فحسيبك الله إنك لتكتم الحق وأنت تعلم ” .

أقول :

(1)ماذا صنع فالح بهذه النصوص هنا ؟ لقد أوسعها بترًا وتقطيعًا لأوصالها على طريقة من يقرأ قوله تعالى : ﴿ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ﴾ ، ويسكت عما يبين هذا الوعيد مما بعده من كلام الله المحكم الواضح الجلي ؛ ليفهم الناس أن الله يتوعد على الصلاة التي شرعها وحتمها وأوجبها في كل الشرائع واعتبرها رسول الهدى – صلى الله عليه وسلم – ثاني أركان الإسلام بعد الشهادتين .

(2)خالف فالح كلام العلماء في تناول النصوص القرآنية والنبوية للتقليد المحرَّم سواء كان من اليهود والنصارى ، أو غيرهم من الأمم الكافرة ، أم كان من فرق هذه الأمة المخالفة لما جاء به محمد – صلى الله عليه وسلم – في العقائد والعبادات ، والمناهج والتشريعات .

يتعامى فالح عن هذا الواقع المؤلم فيخالف أئمة الإسلام قي عموم هذه النصوص وشمولها لكل تقليد مذموم . فيقصرها على أمم الشرك الماضية ويسلب النصوص القرآنية والنبوية عمومها لكل تقليد مذموم انتصارًا لأباطيله وأكاذيبه عليَّ ؛ فأوقعه الله على أم رأسه .

أليست قد وقعت الفرق الضالة فيما وقع فيه من قبلها من اليهود والنصارى وغيرهم !؟

أليست قد وقعت الفرق الضالة من فرق التشيع والرفض ، ومن فرق الصوفية القبورية الضالة – وما أكثرها – فيما وقع فيه اليهود والنصارى من الغلو والشرك الأكبر كدعاء غير الله ، والذبح لغير الله ، والتوكل على غير الله ، وتشييد القبور ، وشد الرحال إليها ، واتخاذ القبور مساجد ، وأكل الربا ، وكثير من ضلالاتهم حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعوهم فيه !؟

ثم إنَّ كثيرًا من العوام وغيرهم يقعون في التقليد المحرم في عقائدهم وعباداتهم ومعاملاتهم وأحكامهم العرفية الجاهلية . فإذا بُيِّنَ لهم الحق في هذه القضايا يأبون الرجوع عنها إلى الحق المبين بالأدلة والبراهين .

فالإصرار على هذا النوع من التقليد جرم كبير وعناد خطير . فما هو المانع من تنزيل هذه الآيات على هذه الأصناف التي وقعت في هذا التقليد الشنيع !؟

نرجو الإجابة من فالح ليستفيد الناس من تحقيقاته السديدة .

يرى فالح أن العلماء الفحول الناصحين الصادقين قد نزّلوا هذه الآيات على المقلدين التقليد المحرَّم الذي وقع فيه كثير من هذه الأمَّة ، وأنَّ الآيات القرآنية تنطبق عليهم ، وأنَّ عمومها يشملهم ؛ فيجادل فالح ويكابر ويقصر عموم هذه الآيات على مشركي أمم الضلال !

لقد بيَّن العلماء وجه استدلالهم بهذه الآيات ” وأن التشبيه إنما وقع بين التقليدين بغير حجة للمقلِّد ؛ كما لو قلد رجل فكفر ، وقلد آخر فأذنب ، وقلد آخر في مسألة دنياه فأخطأ وجهها كان كل واحد ملومًا على التقليد بغير حجة ؛ لأنَّ كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضًا ، وإن اختلفت الآثام فيه ” . انظر ” جامع بيان العلم ” : (2/978) .

هذا قاله ابن عبد البر وغيره فيمن يقلد العلماء ! فكيف بحال من يقلد في الضلال والشرك رؤوس الضلال من الروافض وغلاة التصوف وأشباههم !؟

(3)لقد سلك فالح طريق غلاة الصوفية والقبورية في سلبهم عموم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الداعية إلى التوحيد والناهية عن الشرك ، والتي تشمل ما يرتكبه أهل الضلال من الأعمال الشركية كعبادة الأولياء بدعائهم من دون الله ، والذبح لهم ، والنذر لهم ، والخوف الشديد من بطشهم ، والطواف بقبورهم ، والسجود لهم ، فيقصر هؤلاء الغلاة عموم الآيات على عُبَّاد الأصنام ، وكفار قريش مخالفين لعلماء الإسلام وللقاعدة الأصولية : ” العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب ” .

(4)ومن الأدلة الدامغة لفالح والمؤيدة لفقه العلماء الفقه النافذ الأحاديث الآتية :

(أ‌)عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع ؛ حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم ، قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى !؟ قال : فمن ! ؟ ) . [ أخرجه البخاري في ” الاعتصام ” : ( حديث : 7320 ) ، ومسلم في ” العلم ” : ( باب ” اتباع سنن اليهود والنصارى ” : حديث : 3669 ] .

(ب‌)قال الحافظ ابن حجر في ” الفتح ” : (13/314) : ” وقد أخرج الطبراني من حديث المستورد بن شداد رفعه : ( لا تترك هذه الأمة شيئًا من سنن الأولين حتى تأتيه ) ، ووقع في حديث عبد الله بن عمرو عند الشافعي بسند صحيح : ( لتركبن سنة من كان قبلكم حلوها ومرها ) … ” . اهـ .

(ت‌)وعن أبي واقدٍ الليثي – رضي الله عنه – : ( أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لما خرج إلى حنين مر بشجرةٍ للمشركين يقال لها : ذات أنواطٍ ؛ يعلقون عليها أسلحتهم ، فقالوا يا رسول الله : اجعل لنا ذات أنواطٍ كما لهم ذات أنواطٍ ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : سبحان الله ! هذا كما قال قوم موسى : اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة ، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم ) . ( 13)

قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في ” فتح المجيد ” : (1/261 – 262) في شرح هذا الحديث : ” ففيه الخوف من الشرك ، وأن الإنسان قد يستحسن شيئًا يظنه يقربه إلى الله ، وهو أبعد ما يبعده من رحمته ويقربه من سخطه .

ولا يعرف هذا على الحقيقة إلا من عرف ما وقع في هذه الأزمان من كثير من العلماء والعُبَّاد مع أرباب القبور من الغلو فيها ، وصرف جل العبادة لها ، ويحسبون أنهم على شيء وهو الذنب الذي لا يغفره الله .

قال الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل الشافعي المعروف بأبي شامة في كتاب ” البدع والحوادث ” : ” ومن هذا القسم أيضًا : ما قد عمَّ الابتلاء به من تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد ، وسرج مواضع مخصوصة في كل بلد ، يحكي لهم حاكٍ أنه رأى في منامه بها أحدًا ممن شهر بالصلاح والولاية ، فيفعلون ذلك ويحافظون عليه مع تضييعهم فرائض الله تعالى وسننه ، ويظنون أنهم متقربون بذلك ، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم فيعظمونها ، ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لها ، وهي من عيون وشجر وحائط وحجر . وفي مدينة دمشق من ذلك مواضع متعددة كعوينة الحمى خارج باب توما ، والعمود المخلق داخل باب الصغير ، والشجرة الملعونة خارج باب النصر في نفس قارعة الطريق سهَّل الله قطعها واجتثاثها من أصلها ، فما أشبهها بذات أنواط الواردة في الحديث ” . انتهى .

وذكر ابن القيم – رحمه الله تعالى – نحو ما ذكره أبو شامة ، ثم قال : ” فما أسرع أهل الشرك إلى اتخاذ الأوثان من دون الله ولو كانت ما كانت ، ويقولون : إن هذا الحجر وهذه الشجرة وهذه العين تقبل النذر ؛ أي : تقبل العبادة من دون الله ؛ فإن النذر عبادة وقربة يتقرب بها الناذر إلى المنذور له ” .

وسيأتي ما يتعلق بهذا الباب عند قوله – صلى الله عليه وسلم – : ( اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد ) .

وفي الجملة من الفوائد : أنَّ ما يفعله من يعتقد في الأشجار والقبور والأحجار من التبرك بها والعكوف عندها والذبح لها هو الشرك ، ولا يغتر بالعوام والطغام ، ولا يستبعد كون الشرك بالله تعالى يقع في هذه الأمة ، فإذا كان بعض الصحابة ظنوا ذلك حسنًا ، وطلبوه من النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى بيَّن لهم أن ذلك كقول بني إسرائيل : ( اجعل لنا إلهًا ) ؛ فكيف لا يخفى على من هو دونهم في العلم والفضل بأضعاف مضاعفة !؟ مع غلبة الجهل وبعد العهد بآثار النبوة !؟ بل خفي عليهم عظائم الشرك في الإلهية والربوبية ، فأكثروا فعله واتخذوه قربة .

ومنها : أن الاعتبار في الأحكام بالمعاني لا بالأسماء ، ولهذا جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – طلبهم كطلب بني إسرائيل ، ولم يلتفت إلى كونهم سموها ذات أنواط . فالمشرك – وإن سمى شركه ما سماه ، كمن يسمي دعاء الأموات والذبح والنذر لهم ونحو ذلك : تعظيما ومحبة – فإن ذلك هو الشرك وإن سماه ما سماه . وقس على ذلك .

قوله : ( لتركبن سنن من كان قبلكم ) بضم الموحدة وضم السين ؛ أي : طرقهم ومناهجهم ، وقد يجوز فتح السين على الإفراد ؛ أي : طريقهم . وهذا خبر صحيح . والواقع من كثير من هذه الأمة يشهد له .

وفيه عَلَمٌ من أعلام النبوة من حيث إنه وقع كما أخبر به – صلى الله عليه وسلم – .

وفي الحديث : النهي عن التشبه بأهل الجاهلية وأهل الكتاب فيما كانوا يفعلونه ، إلا ما دلَّ الدليل على أنه من شريعة محمد – صلى الله عليه وسلم – .

قال المصنِّف : وفيه : التنبيه على مسائل القبر ؛ أمَّا ” من ربُّك !؟ ” فواضحٌ . وأمَّا ” من نبيُّك !؟ ” فمن إخباره بأنباء الغيب . وأما ” ما دينك !؟ ” فمن قولهم : ” اجعل لنا إلهًا ” … إلى آخره .

ثم واصل – رحمه الله – في استخراج المسائل من هذا الحديث العظيم .

•ثاني عشر : ومن مجازفاته غلوه في التقليد ونسبته إلى إمام أهل السنَّة الإمام أحمد ما لا يجوز نسبته إليه لأنَّه ضد منهجه وضد منهج أئمة الإسلام :

قال فالح في ( ص 43 ) : ” وقد قال إمام أهل السنة والثابت في المحنة الإمام أحمد بن حنبل : ” من زعم أنه لا يرى التقليد ، ولا يقلد دينه أحدًا : فهو قول فاسق عند الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – ، وإنما يريد بذلك إبطال الأثر ، وتعطيل العلم والسنة ، والتفرد بالرأي والكلام والخلاف ” ( 14) ، وكما قال القرطبي : ” أما التقليد في الحق ، فأصل من أصول الدين ، وعصمة من عصم المسلمين ، يلجأ إليها الجاهل المقصر عن درك النظر ” .

وقال الشيخ الألباني – رحمه الله – : ” فالذي يجعل ديدنه أن يقلد ويمشي على غير بصيرة ، فهذا ليس من الإسلام في شيء ” – يأتي توثيقه – .

ولعلَّ المدخلي يرد هذا كله لما ابتلي به من التعالم والجرأة ، كما شكك – فيما سيأتي – في كلام الإمام أحمد . ولا يستطيع المدخلي أن يثبت خلافه ، وهذا ما كان يراه من دافع عنه – إذا خالف قناعته – فإنه يُسقط اعتبار العلماء ، ولا يعتد بأقوالهم والرجوع إليهم وإلى فتاواهم المستندة إلى الأدلة والقواعد الشرعية والبراهين المرعية عند أهل العلم ، واستنباطاتهم الاجتهادية من تلك الأدلة والقواعد والبراهين ؛ بحجة أنه لا يقلد ، وهذا هو عين ما أنكره المدخلي على أبي الحسن المأربي ، وشنع عليه به ، – تحججًا يخالفه تطبيقًا ، وهو تناقض عجيب من تناقضاته التي لا تنتهي (15) – بقوله : ” نعم ، دعوة أبي الحسن إلى عدم تقليد العلماء إنما هي كلمة حق أراد بها باطلاً ، أراد بها إسقاط العلماء وإسقاط أقوالهم وفتاواهم المقرونة بالأدلة والبراهين ، وقد بينت أنا – والحمد لله – فساد قصده وتعلقه بعدم التقليد في مقالي : ” جناية أبي الحسن على الأصول السلفية ” … ” . اهـ .

أقول :

(1)هذا الكلام المنسوب إلى الإمام أحمد لا يثبت عنه ، وحاشاه أن يقوله ، هذا الكلام الذي يعود بالطعن عليه وعلى أئمة الإسلام الذين حاربوا التقليد ، فيرميهم بالفسق ، برأه الله من هذا الباطل ، وإذا ثبت عن غيره فنرده بقاعدة أهل السنة : ( كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ) ، ومع ذلك فإن قصدهم يخالف قصد فالح الذي يريد بالتقليد التقليد الباطل ، وهم يريدون بالتقليد – إن صح عنهم – الاتباع .

(2)وبالمناسبة فقد رددت على مثل هذا الكلام المزيف في مناقشاتي لفالح في مقالي ” أسئلة وأجوبة على مشكلات فالح ” وكان بتاريخ 11/6/1425 هـ فقلت فيه – طاعنًا فيما ينسبه الاصطخري إلى الإمام أحمد – : ” وأما ما ينسب إلى الإمام أحمد – رحمه الله – من أنه قال : إن الخوارج مرجئة فأنا إلى الآن مستشكله ومستبعد ثبوته عن الإمام أحمد – رحمه الله – ؛ لأن تلاميذه من الثقات ومنهم ولداه : صالح وعبد الله ، وهُما ثقتان حافظان لم يذكروا هذه الجملة المستغربة عن الإمام أحمد ، ومنهم تلاميذه الكبار : أبو داوود السجستاني ، وإسحاق بن إبراهيم بن هانِئ ، ومثل : الخلال جامع علوم الإمام أحمد ، هؤلاء الثقات الحفاظ الجبال نقلوا أقوال الإمام أحمد ونقوله عن العلماء في الإيمان والإرجاء ، ولم يذكروا هذه الجملة التي نسبها الإصطخري إلى الإمام أحمد ، وهو رجل لم يشتهر بالتتلمذ على أحمد ، بل هو لا يعرف عند العلماء وأئمة الحديث ، فهو ولو كان ثقة لاعتبرت هذه الجملة منه شاذة ، فكيف وهو لا يعرف ؟ ومن أحب أن يعرف نقول هؤلاء الأئمة عن الإمام أحمد في قضية الإيمان وما يتبعه فليرجع إلى :

(أ‌)كتاب ” السنة ” لعبد الله بن أحمد : (1/307 – 384) .

(ب‌)” مسائل أحمد ” لأبي داوود : ( ص 272 – 274 ) .

(ت‌)” مسائل الإمام أحمد ” لإسحاق بن إبراهيم بن هانِئ : (2/161 – 164) .

(ث‌)” مسائل الإمام أحمد ” لابنه صالح بن أحمد في عدد من المواضع .

(ج‌)” السنة ” للخلال جامع علوم الإمام أحمد (3/566) .

(ح‌)وذكر اللالكائي عقيدة الإمام أحمد في كتابه : ” شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ” : (1/156- 164) ، وهي في ” طبقات الحنابلة ” : (1/141 – 142) كما ذكر عقائد الأئمة ، ولم يذكر أحد منهم هذه الجملة .

(خ‌)وذكر الإمام ابن بطة عقائد أهل السنة في الإيمان ، ولم يذكر هذه الجملة ، ولا ما يشبهها . انظر ” الإبانة ” : ( ص 176 – 183 ) .

(د‌)وذكر الإمام الصابوني عقيدة أهل السنة فِي الإيمان في كتابه : ” عقيدة السلف أصحاب الحديث ” ، ولم يذكر مثل هذه الجملة ، أو نحوها .

وكلهم لم يذكروا هذه الجملة التي أغرب بِها الإصطخري ، فهي منكرة مستنكرة نسبتها إلى الإمام أحمد – رحمه الله – الذي لا يعرف عنه التكلف .

ولقد رأيت في رسالة الإصطخري مخالفات أخرى ، منها : أنه قال عن الإمام أحمد : ” ومن لم ير الاستثناء في الإيمان فهو مرجئ ” . ” طبقات الحنابلة ” : (1/25) .

ونقل ابن هانئ عن الإمام أحمد في ” مسائله ” : (2/247) أنه قال : ” أما مسعر فلم أسمع أنه كان مرجئًا ، ولكن يقولون : إنه كان لا يستثني ” .

وقال عبد الله بن أحمد : سألت أبِي عن رجل يقول : الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ولكن لا يستثنِي أمرجئ !؟ قال : أرجو ألاَّ يكون مرجئًا . ” السنة ” لعبد الله بن أحمد : (1/307) تحقيق القحطاني ، وفي ( ص 72 ) في طبعة نشر الدار العلمية .

ومنها قول الإصطخري في هذه الرسالة : ” وكلم الله موسى تكليمًا من فيه ، وناوله التوراة من يده إلى يده ” . ” طبقات الحنابلة ” : (1/29) .

فهذه الأقوال المنكرة لا يجوز نسبتها إلى الإمام أحمد ؛ لأنَّها ليس في القرآن والسنة ما يدل عليها ؛ ولأنَّها مُخالفة لمنهج السلف وأصولهم ، وحاشى الإمام أحمد أن يقول مثل هذه الأقوال . ” . اهـ .

ويلحق به من باب أولى ما نسبه فالح هنا إلى الإمام أحمد – رحمه الله – من الأقوال الباطلة .

و أقول :

(أ‌)لم يردع هذا الكلام الحق فالحًا عن تعلقه بالكلام الذي لا يليق بالإمام أحمد – رحمه الله – وأمثاله ، بل لا يزال مصرًا عليه وعلى غيره من الأباطيل بدون أي حجة !

ومن جهله أنَّه يتجرأ في نسبة هذا القول وغيره إلى الإمام أحمد ، فيقول جازمًا : ” قال الإمام أحمد ” ! وهذا يدلُّ على جهله المطبق بمنهج أهل الحديث في قبول الأقوال ، فلا يميِّز بين صحيح الأقوال وضعيفها ، وما تصح نسبنه إلى قائله وما لا يصح نسبته إليه ؛ لأنه ليس منهم علمًا ، ولا عملاً ، ولا تثبتًا من الأقوال المزيفة .

فعلى أيِّ أساس يجزم هذا الجاهل بنسبة هذا القول إلى الإمام أحمد وغيره !؟ وفي الإسناد إليه رجل لا يُعرف . ومع ذلك فكلامه شاذٌ تفرد به هذا الرَّجل المجهول عن أصحاب أحمد الفحول .

إنَّ فالحًا في كل ما يخاصم فيه ويضلل به يسير على منهج ” عنزة ولو طارت ” !

(ب‌)وقولك : ” ولعل المدخلي يرد هذا كله لما ابتلي به من التعالم والجرأة ، كما شكك – فيما سيأتي – في كلام الإمام أحمد . ولا يستطيع المدخلي أن يثبت خلافه ” .

أقول : وكيف لا أرده ، وهو باطل يرده كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – ، وقد حذر منه العلماء الناصحون معتمدين على نصوص الكتاب والسنة ، وهذا يدل على تقليدك الأعمى وتعصبك لأباطيلك وجهلك بأقوال الإمام أحمد ، فأنا أستطيع أن أثبت خلافه من أقوال الإمام أحمد الصحيحة الموافقة لنصوص الكتاب والسنة ولما قرره أئمة الإسلام وتداوله العلماء ومنهم أئمة الدعوة السلفية في نجد .

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – في ” مجموعة التوحيد ” : ( ص 293 ) : ” وقال الإمام أحمد : عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته ، يذهبون إلى رأي سفيان ، والله تعالى يقول : ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ . أتدري ما الفتنة !؟

الفتنة : الشرك ، لعله إذا ردَّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك ” . راجع ” الإبانة الكبرى ” لابن بطة : (1/260) رقم ( 97 ) .

قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في ” تيسير العزيز الحميد ” : (2/1084) في تعليقه على هذا النص : ” هذا الكلام من أحمد رواه عنه الفضل بن زياد وأبو طالب ” .

ثم واصل الكلام في التقليد والمقلدين إلى ( ص 1098 ) .

قال الإمام أبو حنيفة – رحمه الله – : ” إذا صح الحديث فهو مذهبي ” .

وقال – رحمه الله – : ” لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه ” .

وقال الإمام مالك – رحمه الله – : ” إنما أنا بشر أخطىء وأصيب ، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه “.

وقال – رحمه الله – : ” ليس أحد بعد النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا ويؤخذ من قوله ويترك ، إلا النبي – صلى الله عليه وسلم – ” .

وقال الإمام الشافعي – رحمه الله – : ” أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يحل له أن يدعها لقول أحد ” .

وقال – رحمه الله – : ” إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقولوا بسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، ودعوا ما قلت ” ، وفي رواية : ” فاتبعوها ، ولا تلتفتوا إلى قول أحد ” .

وقال – رحمه الله – : ” كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عند أهل النقل بخلاف ما قلت ؛ فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي ” .

وقال – رحمه الله – : ” إذا رأيتموني أقول قولاً ، وقد صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – خلافه ، فاعلموا أن عقلي قد ذهب ” .

وقال – رحمه الله – : ” كل ما قلت ؛ فكان عن النبي – صلى الله عليه وسلم – خلاف قولي مما يصح ، فحديث النبي أولى ، فلا تقلدوني ” .

ومما يبين فساد هذا الكلام أقوال الإمام أحمد نفسه ، ومنها :

(أ‌)قوله – رحمه الله – : ” لا تقلدني ، ولا تقلد مالكاً ، ولا الشافعي ، ولا الأوزاعي ، ولا الثوري ، وخذ من حيث أخذوا ” .

(ب‌)وقال – رحمه الله – : ” رأي الأوزاعي ، ورأي مالك ، ورأي أبي حنيفة كله رأي ، وهو عندي سواء ، وإنما الحجة في الآثار ” .

(ت‌)وقال – رحمه الله – : ” من رد حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فهو على شفا هَلَكة ” .

(ث‌)قوله : ” لا تقلدوني ، ولا تقلدوا مالكًا ، ولا الشافعي ، ولا الثوري ، وتعلموا كما تعلمنا ” .

(ج‌)وكان يقول : ” من قلة علم الرجل أن يقلد دينه الرجال ” .

(ح‌)وقال : ” لا تقلد دينك الرجال فإنهم لم يسلموا من أن يغلطوا ” .

فالح يترك هذه النصوص الواضحة الجلية الصادرة عن هذا الإمام ، ويتعلق بقول ضعيف متشابه لا يثبت عن هذا الإمام .

ويترك النصوص الواضحة الصادرة من الإمام أحمد وغيره من الأئمة في النهي عن التقليد والموجبة للاتباع والقائمة على نصوص الكتاب والسنة ، ويرجف إرجافًا شديدًا بما يخالف أقوالهم .

فلا تلتفت لأقوال الجهلاء الذين يتعلقون بالشواذ ؛ التي تشبه خيوط العنكبوت .

(3)وإيمانك بأنَّ التقليد أصل من أصول الدين وعصمة من عصم المسلمين دليل على أنك متشبث بأذيال التقليد وأنك تزخرفه لأهل الباطل ، والجهال الذين يقلدون في الحق والباطل ؛ لأنهم لا تمييز لهم بينهما .

فقول القرطبي الذي فرحت به ليس بحجة على أحد ، ولا يتخذه حجة ولا يفرح به إلا دعاة التقليد ، فأين دليله من كتاب الله ومن سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى يحرم ردّ كلامه ولا يستطيع أحد ردّه ، هذا الكلام لا يقوله إلا هواة التقليد الأعمى ودعاته .

(4)وأمَّا كلام الألباني – إن صحَّ عنه – فهو ضد منهج فالح الغالي في التقليد والظاهر أنَّه لم يفهم معناه ، ومنهج فالح يقتضي أن يحارب الألباني على هذا القول الشديد على من هذا حاله في التقليد .

وما يدري المسكين أنَّ كلام القرطبي في وادٍ وكلام الألباني في وادٍ آخر ، وهذا من غرائب تناقضاته القائمة على الجهل والهوى !

(5)قولك : ” فإنه يُسقط اعتبار العلماء … ” الخ .

أقول : أنت الذي تسقط اعتبار العلماء القائلين بالحق المدعوم بالحجج والبراهين ، وتسيء الظن بهم ، ونحن نحترم العلماء ونجلهم ونذب عنهم ، أما أقوالهم فنعاملها عند الاختلاف من منطلق قول الله : ﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ . [ النساء : 59 ] .

وهذا أمر ينقاد له العلماء ويسلمون به ويدعون إليه .

(6)وقولك : ” ولا يعتد بأقوالهم والرجوع إليهم وإلى فتاواهم المستندة إلى الأدلة والقواعد الشرعية والبراهين المرعية عند أهل العلم ، واستنباطاتهم الاجتهادية من تلك الأدلة والقواعد والبراهين ؛ بحجة أنه لا يقلد ، وهذا هو عين ما أنكره المدخلي على أبي الحسن المأربي ، وشنع عليه به ، – تحججًا يخالفه تطبيقًا ، وهو تناقض عجيب من تناقضاته التي لا تنتهي – بقوله : نعم ، دعوة أبي الحسن إلى عدم تقليد العلماء إنما هي كلمة حق أراد بها باطلاً ، أراد بها إسقاط العلماء وإسقاط أقوالهم وفتاواهم المقرونة بالأدلة والبراهين ، وقد بينت أنا – والحمد لله – فساد قصده وتعلقه بعدم التقليد في مقالي : ” جناية أبي الحسن على الأصول السلفية ” … ” .

أقول : ” رمتني بدائها وانسلت ” ، فهذا حالك ، فكم سقنا لك من الأدلة من الكتاب والسنة ومن أقوال فحول العلماء في أن الشريعة الإسلامية تراعي المصالح والمفاسد في أصول الدين وفروعه ، فتخالفهم بجهلك وغبائك ، وتحصرها جهلاً في المستحبات ، ولا ترجع عن هذا الجهل المخزي .

وأما تشبيهك لي بأبي الحسن فمن أباطيلك ، فأنا أنطلق من الكتاب والسنة ومن منهج السلف ، وقصدي منه ما يقصدون ، لا ما يقصده أبو الحسن من رد الحق القائم على الحجج والبراهين تسترًا منه بعدم التقليد ، فأنت تفرق بين المتماثلين ، وتجمع بين المتفرقين ، وتسير على هذا النهج في تصرفاتك البلهاء .

•ثالث عشر : ومن عجائب أمر فالح أنَّ من يخالف فتاواه من أهل العلم من مدرسين ودعاة ويرى أنَّ واجبه اتباع محمد – صلى الله عليه وسلم – أنَّه يحكم على بعضهم بأنَّه قد نسف رسالات الرسل والكتب التي نزلت عليهم !

وعلى بعضهم بأنَّه قد كذَّب الكتاب والسنَّة ، وكذَّب الإسلام !

وعلى بعضهم أنَّ قوله بعدم التقليد ترده الرسالات السماوية !

مع أنَّ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على وجوب طاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – ، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، ووجوب الاحتكام إليه – صلى الله عليه وسلم – لا تحصى .

ولا نَرى له نقدًا لأهل الأهواء والبدع الذين يخالفون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في عقائده وعباداته ، ومنهجه وأوامره ونواهيه ، ولا نرى شيئًا من أحكام فالح على أهل هذه المخالفات حتى على طريقة العلماء والأئمة المنصفين ! فضلاً عن الغلو في الأحكام عليهم بما يُشبه أحكامه على من يرضى بالاحتكام إلى الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – ، فما هو السر في هذا التباين الشديد من فالح !؟ 

•رابع عشر : ومن عجائب فالح أنه في أحكامه وفتاواه إنما يتبع هواه ، فيقع في التناقض الشنيع القائم على الفجور ، من ذلك أنه يرى أن لغير العالم أن يجتهد وينظر في كلام العلماء ، وهو قد حرّم ذلك على عبد المالك ، ولزهر ، وعيد شريفي ، وهم من المدرسين في علوم الشريعة .

سئل فالح هذا السؤال : ” وهل إن جاءنا قولان متعارضان في شخص معين كمثلكم ، وأمثال الشيخ ربيع لمَّا تكلمتم في مشايخ الأردن ، يعني الطرف الذي يمكن الأخذ منه ، هلاَّ بينتم لنا المسألة يا شيخ !؟ ” .

الجواب : ” اجتهد ، هنا العلماء يَرون الاجتهاد ، العلماء هنا يقولون : الذي ما هو عالم يجتهد ، غير العالم يجتهد وما يتضح له أنه الحق يأخذ به من الترجيحات ، يمكن أن يأخذ بكلام من يرى أنه أعلم في هذه القضية ، المهم أنه لا بد وأن ينظر ، يجب عليه النظر ، ما يقول بهواه : أنا آخذ كلام فلان ، وأردّ كلام فلان ” . (16)

أقول : ماذا يُقال في هذا الرجل الغريب العجيب الذي يُوجب التقليد على حملة العلم ولا يُجيز لهم النظر في كلام العلماء ، ويحكم على من لا يقلِّد هؤلاء ويرى النَّظر في كلام العلماء بأنَّ هذا أمرٌ تردُّه الرسالات السماوية وتردُّه العقول السليمة ! ويبيح الاجتهاد للعوام ويُوجب عليهم النَّظر في كلام العلماء ليصلوا إلى الراجح من أقوالهم عند اختلافهم !؟

هل سيشكُّ عاقل في فجور الرجل وتلاعبه واتباع هواه فتراه يغلو في الدعوة إلى التقليد إلى أبعد الحدود وهذا منهجه الذي يُحارب عليه ثم تراه يخالف منهجه ويُمعن في خلافه ! ليقول بما يأباه الشرع والعقل على منهجه الفاسد !؟

فهو يتقلب في ميادين الهوى والغلو فيذهب تارة إلى أقصى اليمين وتارة إلى أقصى اليسار !

•خامس عشر : والآن أسوق من نصيحتي الأولى ما يتعلق بالتقليد والاتباع ؛ ليدرك القارئ أن كل دعاوى فالح ضدي إنما قامت على البغي والعدوان والأكاذيب ، وليتأكد القارئ الكريم من بطلان ما تضمنه كتابه الذي سماه زورًا بـ ” التحقيق السديد في الاجتهاد والاتباع والتقليد – رد على ربيع المدخلي – ” .

قلت : ” بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه . أما بعد :

فهذه لفتات إلى أخطاء صدرت من الأخ الكريم الشيخ فالح بن نافع الحربي – وفقه الله وسدَّد خطاه – أنبهه إليها .

أولاً : حكم التقليد . ( 17)

(1)قلتم في مقال لكم نشر في شبكة ” أنا السلفي ” بتاريخ 22/10/2002 م : ” ويكفيك أن عبد المالك يسير على منهجهم في قضية عدم التقليد ، وأنه حرام ، بكونه يقول لهؤلاء : ينظرون حتى في كلام العلماء ( 18) ، وهو ما تردُّه رسالات الرسل ، وتردُّه العقول السليمة ، ينظرون وما يقتنعون به يأخذون بِهِ ، هذه قاعدة : ” لا نقلّد ونقول الحق ” عند المأربي وعند هؤلاء جميعًا الذين أشرت إليهم والذين مرَّ ذكرهم في الحديث ممن هم على شاكلة المأربي ويناصرونه ” .

أقول : أخي في هذا الكلام إجمال وإيهام للواقف عليه أن التقليد واجب على عموم الناس كما في بعض إطلاقاتك ، أو إلا المجتهدين وما أقلهم كما في بعض كلامك الآخر ، وأن عدم التقليد ترده رسالات الرسل والعقول السليمة ، بل هو نسف لرسالات الرسل ولما أنزله الله عليهم من الكتب وهذه الأحكام صعبة جدًا وثقيلة لا يحتملها الإسلام .

نعم دعوة أبي الحسن إلى عدم تقليد العلماء إنما هي كلمة حق أراد بها باطلاً ، أراد بها إسقاط العلماء وإسقاط أقوالهم وفتاواهم المقرونة بالأدلة والبراهين ، وقد بينت – أنا ، والحمد لله – فساد قصده وتعلقه بعدم التقليد في مقالي : ” جنابة أبي الحسن على الأصول السلفية ” .

ولكن ردك عليه بهذا الأسلوب ، وبهذه الطريقة المبالغ فيها لا يتجاوز أن يكون رد باطل بباطل أشد منه .

أخي : أنت تعلم وكل متمسك بالكتاب والسنة أن الله أوجب على الناس اتباع الأنبياء واتباع محمد – صلى الله عليه وسلم – ، واتباع ما جاء به من كتاب وسنة في نصوص كثيرة من القرآن والسنة ، منها قوله تعالى : ﴿ اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء ﴾ . [ الأعراف : 3 ] .

وقال سبحانه : ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ﴾ . [ الأنعام : 153 ] .

وقال تعالى : ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ﴾ . [ آل عمران : 103 ] .

فهذه النصوص كلها تبطل التقليد وتحرمه .

وقال تعالى في ذم المقلدين : ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ ﴾ . [ البقرة : 170 ] .

وقال تعالى : ﴿ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ﴾ . [ الزخرف : 23 ] .

(2)وقد استدل أئمة السنة والإسلام بهذه الآيات ونظائرها على تحريم التقليد على من يستطيع أن يفهم نصوص الكتاب والسنة سواء كان من أهل الاجتهاد ، أو من أهل الاتباع .

(3)وقرروا أن التقليد إنما يجوز للعاجز عن إدراك الحق من الكتاب والسنة ، وأن التقليد كالميتة أصلها حرام وإنما يجوز للمضطر أكلها .

 

ولقد علمت أن أئمة الإسلام حرموا على الناس أن يقلدوهم ، وأن منهم من يقول : لا يجوز لأحد أن يأخذ بقولي حتى يعلم من أين أخذت .

ويقول الإمام الشافعي : ” إذا خالف قولي قول رسول الله فاضربوا بقولي عرض الحائط ” .

ويقول الإمام أحمد : ” لا تقلدني ، ولا تقلد مالكًا ، ولا الأوزاعي وخذ من حيث أخذوا ” .

وقرر علماؤنا أئمة السنة القاعدة المعروفة المنسوبة إلى الإمام مالك : ” كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ” .

وقالوا : ” إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ” .

كل ذلك منهم محاربة للتقليد .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يجيب عن سؤال وجه إليه حول التقليد : ” الحمد لله ، قد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن الله سبحانه وتعالى فرض على الخلق طاعته وطاعة رسوله ، ولم يوجب على هذه الأمة طاعة أحد بعينه في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، حتى كان صديق الأمة وأفضلها بعد نبيها يقول : أطيعوني ما أطعت الله ، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم .

واتفقوا كلهم على أنه ليس أحد معصومًا في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، ولهذا قال غير واحد من الأئمة : كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – .

وهؤلاء الأئمة الأربعة –  – قد نهوا الناس عن تقليدهم في كل ما يقولونه ، وذلك هو الواجب عليهم ، فقال أبو حنيفة : ” هذا رأيي وهذا أحسن ما رأيت ، فمن جاء برأي خير منه قبلناه ” .

ولهذا لما اجتمع أفضل أصحابه أبو يوسف بمالك فسأله عن مسألة الصاع ، وصدقة الخضروات ، ومسألة الأجناس ، فأخبره مالك بما تدل عليه السنة في ذلك ، فقال : ” رجعت إلى قولك يا أبا عبد الله ، ولو رأى صاحبي ما رأيت لرجع إلى قولك كما رجعت ” .

ومالك كان يقول : ” إنما أنا بشر أصيب وأخطئ ، فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة ، أو كلاماً هذا معناه ” .

والشافعي كان يقول : ” إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط ، وإذا رأيت الحجة موضوعة على الطريق فهي قولي ” .

وفي ” مختصر المزني ” لما ذكر أنه اختصره من مذهب الشافعي لمن أراد معرفة مذهبه قال : ” مع إعلامه نهيه عن تقليده وتقليد غيره من العلماء ” .

والإمام أحمد كان يقول : ” لا تقلدوني ، ولا تقلدوا مالكًا ، لا الشافعي ، ولا الثوري وتعلموا كما تعلمنا ” ، وكان يقول : ” من قلة علم الرجل أن يقلد دينه الرجال ” . وقال : ” لا تقلد دينك الرجال فإنهم لن يسلموا من أن يغلطوا ” .

وقد ثبت في ” الصحيح ” عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : ( من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين ) .

ولازم ذلك أن من لم يفقهه الله في الدين لم يرد به خيرًا ، فيكون التفقه في الدين فرضًا ، والتفقه في الدين : معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها السمعية فمن لم يعرف ذلك لم يكن متفقهًا في الدين .

لكن من الناس من قد يعجز عن معرفة الأدلة التفصيلية في جميع أموره ، فيسقط عنه ما يعجز عن معرفته لا كل ما يعجز عنه من التفقه ويلزمه ما يقدر عليه .

وأما القادر على الاستدلال فقيل : يحرم عليه التقليد مطلقًا ( 19) ، وقيل يجوز مطلقًا ، وقيل : يجوز عند الحاجة ، كما إذا ضاق الوقت عن الاستدلال ، وهذا القول أعدل الأقوال .

والاجتهاد ليس هو أمرًا واحدًا لا يقبل التجزي والانقسام ، بل قد يكون الرجل مجتهدًا في فنٍّ ، أو بابٍ ، أو مسألة دون فنٍّ وباب ومسألة ، وكل أحد فاجتهاده بحسب وسعه ” . ” مجموع الفتاوى ” : (20/210 – 212) .

وكم ألّف العلماء من المؤلفات في ذم التقليد وحذَّروا منه ودعوا الناس إلى إتباع الكتاب والسنة .

أخي : إن رسالات الرسل ما جاءت إلا بالتوحيد ومقتضياته وجاءت بهدم التقليد الذي هو أصل من أصول الشرك في أمم الضلال (20) ، كما دلَّ على ذلك القرآن .

والعلماء في ديننا ما يُتبعون إلا إذا استندت أقوالهم إلى نصوص الكتاب والسنة ، فإذا خالفت أقوالهم النصوص وجب مخالفتها وردُّها ، وإذا فقدت الأدلة لا يلزم أحداً اتباعهم .

والعلماء كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ” يحتج لهم ولا يحتج بهم ” .

نعم ! النوازل العظيمة لا ينهض لمواجهتها وإصدار الفتاوى فيها إلا العلماء الأفذاذ ، ولكن ذلك لا يمنع غيرهم من طلاب العلم أن يعرفوا حججهم وبراهينهم التي استندوا إليها وانطلقوا منها في فتاواهم .

هذا تعليق موجز على كلامكم المُوهِم وجوب التقليد وأن تركه مما ترده الرسالات .

(4)وكان من واجبكم إن أردتم الرد على أبي الحسن ومن تابعه أن تُفصِّل في الموضوع بأن تبين قصده كما تبين وجوب الإتباع والحذر من التقليد الباطل ، وتبين متى يجوز .(21)

وما ينبغي أن تتعرض لقضية كبيرة هي من أعظم محاور الصراع بين الأنبياء وأعدائهم ، ومن أعظم محاور الصراع بين أئمة الهدى والإصلاح وخصومهم من دعاة الضلال والخرافات والشرك ، فما ينبغي أن تعرضها على هذه الصورة .

لقد ركز الشيخ فالح على دعوة الناس إلى التقليد ولم يستثن إلا المجتهدين ، ونسي حثَّ الكتاب والسنة والصحابة وأئمة الهدى الناسَ على اتباع الحق واتباع الكتاب والسنة ، وأن العصمة من الضلال والفتن إنما هي في اتباع الكتاب والسنة لا في التقليد .

قال تعالى : ﴿ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ﴾ . [ طه : 123 – 126 ] .

وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي ) .

ومحاربة الأئمة للتقليد وحثهم على اتباع الكتاب والسنة كثيرة تزخر بها الكتب ، وليقرأ الشيخ فالح على الأقل ما قرَّره ابن القيم في كتبه ، ومنها ” إعلام الموقعين ” حيث رد على دعاة التقليد شبهاتهم الباطلة بواحد وثمانين وجهًا كل وجه ينطوي على عدد من الحجج الدامغة للباطل .

ولقد سُئِل فالح عن قول الأزهر الجزائري : ” الشرع الذي يلزمني ألاَّ أقلد عالمًا من العلماء مهما كانت مرتبته ” .

قال مجيبًا : ” لا لا ؛ هذا باطل هذا باطل ، هذا إذا كان مجتهدًا إذن هو أحمد وإلا الشافعي ما شاء الله يرى نفسه فوق ” . ( 22) 

وعلق عليه بكلام كثير ، ومنه قوله : ” هذا الكلام هو نسف لرسالات الرسل ولما أنزله الله عليهم من الكتب ” . (23 )

وأقول للشيخ فالح الذي لا يستثني من التقليد إلا الأئمة المجتهدين : إنك قد خالفت الأئمة المجتهدين الذين ينهون الناس غير المجتهدين عن تقليدهم أشدَّ النهي ويحثونهم على اِّتباع الكتاب والسنة أشدَّ الحثِّ ؛ فلو كان الأئمة يرون رأيك لرأيت الكتب تزخر بِحثِّ الناس على التقليد ، ولكن الواقع بعكس ذلك كما يراه البصراء .

ولقد طعن الشيخ فالح طعنًا شديدًا في الأزهر الجزائري لأنه لا يرى ما يرى الشيخ فالح من وجوب التقليد عليه .

ومن طعونه في الأزهر وهي كثيرة وصعبة لا تستساغ ، قوله : ” والله إن هذا الشخص لهو من الدعاة على أبواب جهنم كيف لا يكون من الدعاة على أبواب جهنم ، وهو يُؤصِّلُ للأمة أصولاً ، ويُقعِّدُ لها قواعد ويدافع عنها ، ويزعم أنها هي الحق ، ويدَّعي أنها هي الدِّين ، وأنه يجب على غيره أن يتبعها .هذا هو الضلال المبين علينا أن نحذر من هذا الجاهل وأمثال هذا الجاهل أن يضلنا عن سبيل ربنا ” .

وأقول : لم أرَ هذه القواعد التي وصلت إلى هذه الدرجة من الخطورة فوضحها للناس !؟ ولم أرَ هذه الدعوى التي ينسبها إليه الشيخ فالح فليذكرها !؟

ثم إن الشيخ فالحًا حذَّر من هذا الرجل تحذيرًا شديدًا لم أر في تحذيره من أهل البدع أشد منه لماَّ قال : ” أنا لا أقلد عالمًا مهما كان علم هذا العالم ” ، ويرى أنه نسفٌ لرسالات الرسل ولِمَا أنزله الله عليهم من الكتب حيث جعل الناس جميعًا يجتهدون ويأخذون بما يقتنعون به .

والحق أن الرجل إنما نفى التقليد عن نفسه ولم يجعل الناس جميعًا يجتهدون .

والأزهر (24) كما أعرفه من حملة العلم ، ومن الدعاة إلى المنهج السلفي ، والذي أعرفه عنه أنه ضد أهل البدع والأحزاب جميعها من إخوانية عالمية ، وأهل الجزأرة ، والقطبيين والسروريين والتكفيريين ، وغيرهم ، وضد أبي الحسن وعيد شريفي ومنهجهما ، وعنده بعض الأخطاء التي تستدعي المناصحة الأخوية لا هذه الحرب الشديدة التي شنَّها عليه الشيخ فالح ، وهذا التضليل والتجهيل استجابة لتحريشات المجهولين المغرضين الذين يسعون في تفريق أهل السنة وتشتيتهم .

ثم إنَّ الأزهر وإخوانه من الدعاة إلى المنهج السلفي في الجزائر والواقفين ضد أهل الأهواء والبدع لا يقْصُرُون في العلم عن منزلة الشيخ فالح بل قد يفوقه بعضهم بل الأزهر لا ينزل عن درجة الشيخ فالح العلمية ، فما بال الشيخ فالح يفرض على الأزهر التقليد ويشد طوق التقليد على عنقه وفي الوقت نفسه يُنزل نفسه منازل المجتهدين ” . انظر ” المجموع الواضح ” : ( ص141 – 148 ) .

هذه نصيحتي لفالح التي انطلق منها إلى محاربتي ومحاربة العلماء الذين أيدوا هذه النصيحة .

ماذا صنع فالح بهذه النصيحة الواضحة المفصلة في التقليد والاتباع !؟

•أولاً : أخفى ما صرحتُ به مرارًا في نصيحتي له من أنه يجوز التقليد للعاجز ؛ حيث قلت بعد أن سقت آيات قرآنية توجب على الأمة الاتباع وتذم التقليد الممنوع :

(أ‌)” وقد استدل أئمة السنة والإسلام بهذه الآيات ونظائرها على تحريم التقليد على من يستطيع أن يفهم نصوص الكتاب والسنة سواء كان من أهل الاجتهاد أو من أهل الاتباع ” .

(ب‌)ثم قلت : ” وقرروا أن التقليد إنما يجوز للعاجر عن إدراك الحق من الكتاب والسنة ، وأن التقليد كالميتة أصلها حرام وإنما يجوز للمضطر أكلها ” .

(ت‌)ثم سقت له قول شيخ الإسلام – بعد ما سبق حكايته – : ” لكن من الناس من قد يعجز عن معرفة الأدلة التفصيلية في جميع أموره ، فيسقط عنه ما يعجز عن معرفته ” .

(ث‌)ثم قلت مرة رابعة : ” هذا تعليق موجز على كلامكم الموهم وجوب التقليد وأن تركه مما ترده الرسالات ، وكان من واجبكم إن أردتم الرد على أبي الحسن ومن تابعه أن تفصل في الموضوع بأن تبين قصده كما تبين وجوب الإتباع والحذر من التقليد الباطل ، وتبين متى يجوز . وما ينبغي أن تتعرض لقضية كبيرة هي من أعظم محاور الصراع بين الأنبياء وأعدائهم ، ومن أعظم محاور الصراع بين أئمة الهدى والإصلاح وخصومهم من دعاة الضلال والخرافات والشرك ، فما ينبغي أن تعرضها على هذه الصورة ” .

لقد أخفى فالح هذا البيانات الجلية المتكررة في نصيحتي الأولى له المتضمنة لجواز التقليد للعاجز عن إدراك معاني الكتاب والسنَّة ، أخفاها مرارًا وتكرارًا على امتداد ما يقارب خمس سنوات في حربه الفاجرة القائمة على الخيانات ، والكذب ، والبتر ، والكتمان في هذه القضية وغيرها ، ويحاربني باسم أنني حرَّمت التقليد مطلقًا ، ولم أفصل !

•سادس عشر : ثمَّ أعاد عمليات الإخفاء والبتر الشنيع في كتابه المسمى زورًا بـ ” التحقيق السديد ” أربع مرات في ( ص 25 ، 31 ، 39 ) بدون خوف من الله ولا حياء ولا خجل .

ومن عجائب خيانته وبتره أنني قلت له في نصيحتي : ” أخي : إن رسالات الرسل ما جاءت إلا بالتوحيد ومقتضياته وجاءت بهدم التقليد الذي هو أصل من أصول الشرك في أمم الضلال ، كما دل على ذلك القرآن ” .

فجاء فالح صاحب ” التحقيق السديد ” ليقول : ” أخي ، إن رسالات الرسل … جاءت بهدم التقليد الذي هو أصل من أصول الشرك في أمم الضلال ” . فحذف قولي : ” ما جاءت إلا بالتوحيد ومقتضياته ” ، وحذف الواو العاطفة للتقليد على التوحيد ومقتضياته إمعانًا منه في إخفاء مكره ، فهل النقاط التي وضعها تؤدي معنى ما حذفه !؟

ثمَّ علّق فالح على هذه الجملة المبتورة من نصيحتي الواسعة الواضحة المفصلة بقوله : ” وأقول : لم تأت رسالات الرسل بهدم التقليد عمومًا كما تزعم ، وإنما جاءت بهدم التقليد : ” الذي هو أصل من أصول الشرك في أمم الضلال ” ، وهو تقليد الآباء والأجداد واتباع أعراف الناس والأمم المخالفة للشرع ولم تبن على الدين : ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ﴾ ، ﴿ إِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا ﴾ . فحسيبك الله إنك لتكتم الحق وأنت تعلم ” . اهـ .

أقول : رمتني بدائها وانسلَّت ! فأي حق كتمت وأنا أعلم !؟ وأنا قد فصَّلت في نصيحتي لك ، وميَّزت بين من يجب عليه الاتِّباع – ومنهم الذين أوجبتَ عليهم التقليد وحكمتَ عليهم بأحكام غليظة – ، وبين من يجوز لهم التقليد وسقتُ الأدلة على ذلك وأقوال أهل العلم .

فإذن أنت الذي تكتم الحق ؛ لأنك في فتاواك التي توجب فيها التقليد على من لا يلزمهم لم تذكر الآيات التي توجب على الناس اتِّباع الكتاب والسنة ، ولم تذكر الآيات التي استدل بها أئمة الإسلام على تحريم التقليد الباطل ، ومنها هاتان الآيتان اللتان ذكرتَهما الآن بعد سنوات ، ذكرتَها لتقصر التقليد على أمم الشرك والضلال !

وإذا كنتُ أنا الذي وضّحتُ وفصَّلتُ وميَّزتُ بين من يجب عليه الاتباع ومن يجوز له التقليد كاتمًا للحق ؛ فالأئمة – على مذهبك وحكمك – الذين نهوا عن التقليد بدون تفصيل ، ومنهم : الإمام أحمد أولى بهذا الحكم ” الكتمان ” !

وأقول : حاشاهم ثم حاشاهم ، وأنت – والله – الكاتم للحق ، وأنت الذي تُصدِرُ الأحكام الجائرة الغليظة على الناس جهلاً وبغيًا .

•سابع عشر : فالح هو الذي مَرَدَ على الخيانات والكتمان ، ومن ذلك أنه اقتصر في كلامه الآتي على ذكر فتوى واحدة من ثلاث من فتاواه الجائرة والعامة التي لا تفصيل فيها ، والتي أوجب فيها التقليد على متعلمين بعضهم يُدرِّسُ في إحدى جامعات الجزائر ، وبعضهم يدعوا إلى الله تبارك وتعالى ويُدرِّس في مسجده .

وإليك الفتوى التي ذكرها وكتم ما هو أهم منها في ( ص 30 – 31 ) من ” تحقيقه السديد ” المزعوم : قال : ” قلت : فنحن ننقض عليه فيما يلجّ ويشغب به عليّ زاعمًا أنني أدعو إلى التقليد ، الذي وصفه بأنه : ” أصل من أصول الشرك في أمم الضلال ” ؛ متشبثًا ومتعلقًا بعبارة فرغت من مهاتفة معي وهي الآتية : ” ويكفيك أن عبد المالك يسير على منهجهم في قضية عدم التقليد ، وأنه حرام ، بكونه يقول لهؤلاء : ينظرون حتى في كلام العلماء ، وهو ما تردّه رسالات الرسل ، وتردُّه العقول السليمة ، ينظرون وما يقتنعون به يأخذون به ، هذه قاعدة : ” لا نُقلّد ونقول الحق ” عند المأربي ، وعند هؤلاء جميعًا الذين أشرت إليهم ، والذين مرَّ ذكرهم في الحديث ممن هم على شاكلة المأربي يناصرونه ” .

فقال ربيع المدخلي مغالطًا و مماحلاً ومماحكًا ومبارزًا في غير ميدان ؛ يطلب وحده النزال والطعان : ” أخي ، في هذا الكلام إجمال وإيهام للواقف عليه ، وأن التقليد واجب على عموم المسلمين ، وأن عدم التقليد ترده رسالات الرسل والعقول السليمة .

أخي ، إن رسالات الرسل … جاءت بهدم التقليد الذي هو أصل من أصول الشرك في أمم الضلال … ” !!

وأقول : لم تأت رسالات الرسل بهدم التقليد عمومًا – كما تزعم – ، وإنما جاءت بهدم التقليد : ” الذي هو أصل من أصول الشرك في أمم الضلال ” ، وهو تقليد الآباء والأجداد واتباع أعراف الناس والأمم المخالفة للشرع ولم تبن على الدين : ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ﴾ ، ﴿ إِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا ﴾ . فحسيبك الله إنك لتكتم الحق وأنت تعلم ” . اهـ .

أقول – أنا ربيع – : بصرف النظر عن طعنك الأثيم فيَّ .

(1)أين هو توضيحك وتفصيلك في هذه الفتوى ببيان من يلزمه الاتباع ومن يجوز له التقليد !؟ ومن يفهم هذا التفصيل !؟

(2)ما هي أدلتك القرآنية والنبوية على أن عدم تقليد أمثال عبد المالك من المعلمين والمؤلفين مما ترده رسالات الرسل وترده العقول السليمة !؟

(3)لماذا كتمت هنا فتواك في عيد شريفي ، وفتواك في الأزهر الجزائري ، وحكمك عليهما أشدُّ وأغلظ من الحكم على عبد المالك !؟ إنَّ كتمانك لهاتين الفتويين لمن أقوى الأدلَّة على أنَّك قد مردتَ على الخيانة والكتمان ، وعلى إصرارك وجمودك على منهجك الباطل في الدعوة إلى التقليد وأحكامك الخطيرة التكفيرية على من لا يقلِّد أمثالك من أهل الجهل والهوى . 

ومهما تكن عند امرئ من خليقة … وإن خالها تخفى على النَّاس تُعلم !

وهاكم الفتويين اللتين كتمهما فالح :

(أ‌)قال عيد شريفي الجزائري المدرس في جامعة الجزائر في فتنة أبي الحسن ” ما لم يتكلم الشيخ ربيع فلا ألتفت إلى هؤلاء ” .

فقال فالح : ” هذا الإنسان ما يفهم هذا يكذب الكتاب والسنة هذا يكذب الإسلام ، الكتاب والسنة ربطا الناس بأهل الذكر ، لا يوجد أهل الذكر في هذا الزمان إلا الشيخ ربيع ، هذا حجَّر واسعًا ” . (25 ) 

فهذا الرجل حكَّم ربيعًا في مسائل الخلاف ، يرى أنه قد كذّب الكتاب والسنة وكذّب الإسلام .

وأنا أسأله عن أهل الذكر الذين أبى عيد شريفي أن يرجع إليهم ، إنهم الشيخ أحمد النجمي ، والشيخ زيد المدخلي ، وغيرهما ممن انتقد أبا الحسن المأربي في انحرافاته ، فلما نصح هؤلاء العلماء فالحًا أسقطهم ومرَّغ كرامتهم في التراب ، وسلَّط عليهم الجهال السفهاء والمجهولين ، ولم يُنكر على أحد منهم رد فتاواهم والطعن فيهم فضلاً عن أن يحكم عليهم بمثل أحكامه على عيد شريفي وغيره تلك الأحكام التي لا نظير لها حتى في فتاوى الغلاة في التقليد .

(ب‌)سئل فالح عن قول الأزهر الجزائري – أحد الدعاة إلى الله والمدرسين في التفسير والحديث والتوحيد والتفسير – : ” الشرع الذي يلزمني ألا أقلد عالمًا من العلماء مهما كانت مرتبته ” .

قال الأزهر هذه المقالة ردًا على من يلزمه بفتوى فالح في الانتخابات ، فقال فالح طاعنًا فيه حاكمًا عليه : ” لا ، لا ، هذا إذا كان مجتهدًا ، إذن هو أحمد وإلا الشافعي ، ما شاء الله يرى نفسه فوق ” وعلّق عليه بكلام كثير ، ومنه قوله هذا الكلام : ” هو نسف لرسالات الرسل ولما أنزل عليهم من الكتب ” . (26 )

هذه ثلاث فتاوى ترافقها أحكامه الخطيرة ، ترى أنَّه كتم منها اثنتين خلال شكواه هذه ! وأظهر واحدة ، وهي أسهلها ، وقد عرفت ما عليه فيها ، ولم يستثنِ في الثالثة إلا المجتهدين ، وهم لا يوجدون الآن ، ولا أحد يدَّعي هذه المرتبة ، وهذا الاستثناء لم يأتِ به فالح على طريقة أهل العلم وإنَّما أتى به لإهانة أزهر الذي خالف فتواه !

فعلى الناس إذن أن يقلدوا أمثال فالح ، ومن لم يقلد فالحًا وأمثاله فقد كذَّب الكتاب والسنة وكذَّب الإسلام ! أو على قوله الآخر : ” هو نسف لرسالات الرسل ولما أنزل الله عليهم من الكتب ” ! ( 27)

فما هو موقف القارئ المنصف ، وما رأيه في هذه الفتاوى والأحكام !؟

وما رأيه في هذه الطعون الشديدة والاتهامات التي وجَّهها لي بناءً على أنِّي رميته بالدعوة إلى التقليد المحرَّم !؟

وأضيف ، وما هو حكم العلماء الأجلاَّء الذين فقهوا دين الله حقًّا في أمثال من أوجب فالح عليهم التقليد وأصدر عليهم تلك الأحكام المرعبة !؟

وهل يجوز لمن يعرف هذه المنكرات والأباطيل أن ينصح صاحبها برفق أو لا يجوز !؟

•ثامن عشر : من غباء فالح أنَّه ينقل من كلام ” اللجنة الدائمة ” ما يُدينه بالجمود وسوء الظن وتضييق ما وسَّع الله بغير دليل ويدين دعوته إلى التقليد المحرَّم .

نقل فالح في ” التحقيق السديد ” – في زعمه – (2/45 – 46) فتاوى من ” اللجنة الدائمة ” قائلاً : ” وقد قال أعضاء ” اللجنة الدائمة ” من ” هيئة كبار العلماء ” : ورئيسهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، وعضوية نائبه : الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، والشيخ عبد الله ابن عبد الرحمن الغديان ، والشيخ عبد الله بن قعود – كما في ” فتاوى اللجنة الدائمة ” : (5/60) ، فبعد أن ذكروا فضل العلماء ، وما قاموا ويقومون به من دور عظيم في خدمة الإسلام والمسلمين والتفقيه في الدين وتطبيق نصوص الكتاب والسنة واستنباط الأحكام منها ، من القرون المفضلة إلى اليوم : ” قالوا : وعلى هذا من كان ممن سواهم قديمًا وحديثًا ثاقب الفكر ، عالمًا بنصوص الشريعة ، خبيرًا بمقاصدها ، قادرًا على الاستنباط من أدلتها ، وجب عليه أن يجتهد في مصادر الأحكام وأدلتها ، ولزمه العمل بما ظهر له من الأحكام ، ولم يجز له أن يقلد مجتهدًا آخر ، لكن له أن يستعين بما خلّفه أولئك الأخيار من ثروة علمية ، رجاء أن ييسر الله بذلك سبيل الحق وإدراك الصواب .

أما من عجز عن ذلك ؛ فليقلد مجتهدًا من هؤلاء الأئمة وأمثالهم دون عصبية لواحد منهم .

وقد صدر منا فتوى في الموضوع هذا نصها : ” من كان أهلاً لاستنباط الأحكام من الكتاب والسنة ، ويقوى على ذلك ولو بمعونة الثروة الفقهية التي ورثناها عن السابقين من علماء الإسلام كان له ذلك ؛ ليعمل به في نفسه ، وليفصل به في الخصومات ، وليفتي به من يستفتيه ، ومن لم يكن أهلاً لذلك فعليه أن يسأل الأمناء من أهل العلم في زمنه ، أو يقرأ كتب العلماء الأمناء الموثوق بهم ؛ ليتعرّف الحكم من كتبهم ويعمل به ، من غير أن يتقيّد في سؤاله أو قراءته بعالم من علماء المذاهب الأربعة ، وإنما رجع الناس للأربعة لشهرتهم وضبط كتبهم وانتشارها وتيسرها لهم .

ومن قال بوجوب التقليد على المتعلمين مطلقًا ؛ فهو مخطئ جامد سيء الظن بالمتعلمين عمومًا ، وقد ضيّق واسعًا ، ومن قال : بحصر التقليد في المذاهب الأربعة المشهورة فهو مخطئ – أيضًا – قد ضيق واسعًا بغير دليل ، ولا فرق بالنسبة للأمي بين فقيه من الأئمة الأربعة وغيرهم ؛ كالليث بن سعد ، والأوزاعي ونحوهما من الفقهاء ” .

أقول :

(1)وهذه الفتوى من أقوى المؤيدات لربيع ومن أقوى الحجج على فالح .

فإن كلام ربيع يوافق فتوى ” اللجنة الدائمة ” مائة في المائة ، فقد دعا ربيع في نصيحته – ولا يزال – إلى اتباع نصوص الكتاب والسنة ، واستثنى فيها العاجزين مرارًا بما يطابق هذه الفتوى .

فرفض فالح ذلك الحق ، وذهب يحارب ربيعًا بالأكاذيب .

فنقلك لهذا الكلام من عجائب قدرة الله فيك ليدينك بما تخطه بيدك ، وتنشره باختيارك .

ومن عجائب نصرة الله لربيع وإخوانه أن قادك سبحانه إلى البحث عن حتفك بظلفك .

(2)إنَّ فالحًا أوجب التقليد على المتعلمين مطلقًا بل والمعلمين ، وهذا مما يبطله نصوص الكتاب والسنة وكلام أئمة الإسلام ، ويناقض هذه الفتوى التي هي من الأدلة الواضحة على بطلان فتاوى فالح في إيجاب التقليد على المتعلمين ولو كانوا مدرسين في الشريعة وفي الجامعات ، وحكمه على من لم يقبل فتوى فالح وأمثاله بأنه قد كذَّب الإسلام والسنَّة والقرآن ، وكما قال في آخر من المدرسين في الشريعة الإسلامية خالف فتوى فالح : بأنه قد نسف رسالات الرسل والكتب التي نزلت عليهم جميعًا .

فأحمد الله الذي ساق فالحًا إلى نقل هذ الفتاوى باختياره ؛ ليجعل من نفسه شاهدًا عليها في هذه الدنيا .

ويوم القيامة ستشهد عليه وعلى أنصاره في الباطل أيديهم وألسنتهم وأرجلهم بما كانوا يعملون .

(3)إنَّ فالحًا يوجب التقليد الأعمى على السائلين وغير السائلين من طلبة العلم وممن هو فوق مرتبة طلبة العلم ، وإذا جرح الناس بهواه ، وطولب ببيان أسباب الجرح يقول : لا يسأل عن أسباب الجرح ، ويهدم القاعدة التي تنص على أنه عند تعارض الجرح والتعديل فلا بد من بيان السبب .

(4)إجابة ” اللجنة الدائمة ” تسمح للسائل إذا كان من طلبة العلم الأقوياء بالمطالبة بالدليل ومناقشة العالم ؛ ليطمئن قلبه وليكون على بصيرة من الحكم ودليله ، فإن لم يكن كذلك يكتفي بجواب العالم ، ومنهج فالح ضد هذا .

(5)نص السائل هنا على أن التقليد حرام وأطلق ذلك ، ولم يفصل ، وهذه جريمة كبرى عند فالح ؛ يحارب عليها ويضلل بها ، فما باله هنا يحتج بهذه الفتوى التي فيها هذه الطامة الكبرى ، ولا يثور ثورة عارمة على ” اللجنة الدائمة ” ولا على السائل ؛ بل يسوق السؤال والإجابة مساق الاحتجاج ، وعلى من !؟ على ربيع الذي يفتري عليه فالح أنه يحرم التقليد ولا يفصّل ، مع أن ربيعًا قد فصّل وفصّل وفصّل في نصيحته .

فعلام يدل هذا التصرف الذي يعتبر من أقبح أنواع التناقض ، والذي له نصيب من تناقض اليهود في أحكامهم القائمة على الهوى !؟

(6)منهج فالح يقتضي الطعن في ” اللجنة الدائمة ” وتضليلها وعلى رأسها الإمام ابن باز ، لا شك في ذلك ، وهذا واحد من أصول كثيرة من أصول فالح التي التزمها ويلزم بها غيره ويضلل بها من خالفه فيها تعود هذه الأصول إلى أئمة الإسلام بالطعن وتقضي عليهم بالضلال ، وحاشاهم ثم حاشاهم من مقتضيات هذه الأصول الفاسدة ؛ بل هي أدلة جلية على ضلال صاحبها وأتباعه .

(7)تأمل قول ” اللجنة الدائمة ” : ” ومن قال : بوجوب التقليد على المتعلمين مطلقًا فهو مخطئ جامد سيء الظن بالمتعلمين عمومًا ، وقد ضيّق واسعًا ” .

وهذه الأحكام تنصب على رأس فالح الذي يوجب التقليد على المتعلمين والمعلمين ، ويسيء الظن بالعلماء ، ويجهلهم ، ويطعن فيهم ، ويسلط عليهم الجهلة السفهاء ؛ يطعنون فيهم ويحقرونهم ، فيكفي فالحًا هذه الفتوى من هؤلاء العلماء ، ولو عرضت عليهم حروب فالح على أهل السنة متعلمين وعلماء لكان لهم أحكام وأي أحكام تدمغ فالحًا وفئته الجاهلة بالضلال والهوى .

أقول : وكم للإمام محمد وأتباعه من الأقوال الداعية إلى الكتاب والسنة ومحاربة التقليد إذ ذلك هو الأصل الذي أوجبه الله على الأمة كلها ، ولا يستثنى من ذلك إلا من عجز عن الفهم والإدراك بعكس ما أنت عليه من الدعوة إلى التقليد وجعلتَ ذلك أصلاً ولا تستثني منه إلا المجتهدين الكبار من أمثال ك مالك ، والشافعي ، وأحمد وهؤلاء لا يوجدون ، لكن طلاب العلم والعلماء الموجودين في الدنيا لم يسقط عنهم وجوب اتباع الكتاب والسنة كما قرره العلماء ، وقررته في نصيحتي لفالح تقريرًا واضحًا موافقًا في ذلك الكتاب والسنة والإجماع .

وللشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب جولات قوية على المقلدين المتعصبين ودعوة حارة إلى الاتباع ولا يستثنى من الإتباع إلا العاجزين عن معرفة الحق وإدراكه من العوام ونحوهم . انظر ” الدرر السنية ” : (4/16 – 72) .

وقد نقل عن الأئمة وجوب الاتباع في مواطن ، ومنها قولهم : ” قال الشيخ تقي الدين في بعض أجوبته ، وقد ثبت في الصحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : ( من يرد به الله خيرًا يفقهه في الدين ) ، ولازم ذلك أن من لم يفقهه في الدين لم يرد به خيرًا ، فيكون التفقه في الدين فرضًا ، والفقه في الدين معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها السمعية ، فمن لم يعرف ذلك لم يكن متفقهًا ، لكن من الناس من قد يعجز عن الأدلة التفصيلية في جميع أموره فيسقط عنه ما يعجز عن معرفته ويلزمه ما يقدر عليه .

وأما القادر على الاستدلال ، فقيل : يحرم عليه التقليد مطلقًا ، وقيل : يجوز مطلقًا ، وقيل : يجوز عند الحاجة ، كما إذا ضاق الوقت عن الاستدلال ، وهذا القول أعدل الأقوال والاجتهاد ليس هو أمرًا واحدًا لا يقبل التجزي والانقسام ، بل قد يكون الرجل مجتهدًا في فن ، أو باب ، أو مسألة دون فن وباب ومسألة ” . ” الدرر السنية ” : (4/39) .

وقال – رحمه الله – : ” وقال شيخ الإسلام ابن تيمة – رحمه الله – : طالب العلم يمكنه معرفة الراجح من الكتب الكبار التي يذكر فيها مسائل الخلاف ويذكر فيها الراجح مثل كتاب ” التعليق ” للقاضي أبي يعلى ، و ” الانتصار ” لأبي الخطاب ، و ” عمد الأدلة ” لابن عقيل ، و ” تعليق القاضي ” يعقوب البرزبيني ، وأبي الحسن الزاغوني ومما يعرف منه ذلك كتاب ” المغني ” للشيخ أبي محمد ، وكتاب ” شرح الهداية لجدنا أبي البركات ” . ” الدرر السنية ” : (4/53) .

أقول : وهذه الفتاوى من الإمام محمد وابنه الشيخ عبد الله ومن شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمهم الله تعالى – لتؤكد فتوى ” اللجنة الدائمة ” ، وتؤكد ما قرَّره ربيع في نصيحته لفالح وفي سائر تقريراته في دروسه ومؤلفاته . وتُدِين فالحًا بمخالفة الحق وركوب متن الجهل واتباع الهوى .

كيف أمنع القاصرين عن إدراك معاني النصوص القرآنية والنبوية من تقليدهم للعلماء وأنا أقرأ ” مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ” ، وأقرأ فتاوى غيره من العلماء ، ومنها فتاوى الإمام محمد بن إبراهيم ، وفتاوى الإمام ابن باز ، وفتاوى ” اللجنة الدائمة ” ، وأحثُّ الشباب على الاستفادة منها !؟

كيف أنكر تقليد العوام للعلماء وأمامي دور الإفتاء وتصدي ” هيئة كبار العلماء ” للإجابة على فتاواهم !؟

وكيف أنكر ذلك وأسئلة العوام بل وطلاب العلم تأتي على شكلٍ شبه يومي ، وأنا أُجيب عليها ، وقد أُحيلهم في الوقت نفسه احتياطًا إلى دار الإفتاء !؟

إنَّ ما يرجف به فالح عليَّ إنَّما هو محض الكذب الكُبَّار وقل مثل ذلك في كل ما يرجف به عليَّ هذا الأفَّاك الأثيم .

 

تمت بحمد الله [ الحلقة الأولى ] ، وتتبعها حلقات بإذن الله تعالى .

 

وكتب : ربيع بن هادي بن عمير المدخلي

19 ذو القعدة 1429 هـ

من هجرة المصطفى – صلى الله عليه وسلم –

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحواشي: 

(1 ) ربيع لا يفتري على أحد – والحمد لله – لا من أهل السنَّة ، ولا من أهل البدع ، ولا من أهل الكفر ، وإنَّما يتحرَّى الصدق والعدل ما استطاع إلى ذلك سبيلاً .

وفالح وطائفته إنَّما يريدون بأهل السنَّة الطائفة الحدادية ذات الفتن والشغب والكذب على أهل السنَّة .

(2) وهذا النص في ” الصارم المنكي ” : ( ص 22 – 23 ) بتحقيق الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري – رحمه الله – .

(3) انظر ( ص 10 ) من هذا البحث .

(4) وهذا الغلو موجود في عدد من مقالاته وفي ” إشراع الأسنة ” ، وفي كتابه المسمى زورًا بـ ” التحقيق السديد ” ، وانظر مقالاً لي سميته ” أصول فالح ومآلاتها ” .

(5) انظر ” الكفاية في علوم الرواية ” : ( ص 141 ) ، و ” تدريب الراوي ” : (1/339) .

(6) كذا (!)

(7) وهذا الكلام الفاجر يتضمَّن تكفير من يردُّ أباطيله وأصوله الفاسدة لأنَّه يزعم أنَّ ذلك هدم للدِّين في شخصه … إلى آخر تهاويله ودعاويه الباطلة .

وفي بعض نقوله في هذا الكتاب ما يرمز به إلى تكفيري !

(8) ومما يُكذب فالحًا في دعاواه الباطلة أنني ذكرت عذاب القبر في تسعة مواضع من الفتاوى التي أخذ منها عبارة سماها فجورًا وزورًا بـ : ” مذهب ربيع الاعتزالي ” ! ، هذه التسعة أقرر فيها مذهب أهل السنة ، وأدين من ينكر عذاب القبر من فرق الضلال من نصوص الكتاب والسنة .

(9) يقول هذا ابن عبد البر لبيان منزلة العامي ، ولبيان الفرق بينه وبين العالم ، ولتأكيد الفرق بين الاتباع والتقليد .

 

(10) الظاهر أن أصل هذه الكلمة ” معيارًا ” ؛ كما يقتضيه سياق الكلام .

(11) وفالح يجمع بينهما إيهامًا وتلبيسًا ، ويدعي على ذلك الإجماع ، ويدعي أن التقليد أصل من أصول الدين ، ويحارب من يفرق بينهما ويرى أن التقليد ضرورة واستثناء ولا يجوز إلا للعاجزين عن فهم نصوص الكتاب والسنة .

(12 ) أخرجه الترمذي في ” الفتن ” : [ حديث : 2180 ، وأحمد (5/218) ، وابن أبي شيبة (7/479) كلهم من حديث أبي واقد الليثي –  – ] . وعند أحمد : ( إنَّكم تركبون سنن الذين من قبلكم ) . وقال الترمذي : ( حديث حسن صحيح ) . وفي الباب عن أبي سعيد وأبي هريرة – رضي الله عنهما – .

(13 ) وقد أعاد فالح كلام الإمام أحمد مرة أخرى جازمًا بنسبته إليه في ( ص 76 – 77 ) من ” تحقيقه ” ! وهذا من الجهل والهوى .

(14) كل هذا من أكاذيب فالح ، فهو الذي يرد كلام العلماء الكبار القائم على الأدلة والبراهين ، وهو الواقع في التناقض المخزي .

(15) ” المصارعة ” : ( ص 47 ) .

(16) صدرت هذه النصيحة العلمية بتاريخ 24/2/1425 هـ . والتي أيَّدها العلماء الذين اطلعوا عليها من أهل المدينة ، ومكة ، وجيزان ، واليمن ، والجزائر وغيرها .

(7 1) التقليد هو قبول قول الغير بغير حجة ، وهو الذي ينكره الإسلام وعلماؤه على متعصبة العقائد والمذاهب الذين يقدمون أقوال الرجال على نصوص الكتاب والسنة .

(18 ) انظر كيف يستنكر نظر أناس مدرسين ومتعلمين في كلام العلماء ، أليس في هذا دعوة إلى الموت العلمي وقتل العقول القادرة على النظر والاستدلال للوصول إلى الحق !؟

(19 ) والذين يطالبهم بالتقليد هم من طلاب العلم القادرين على الاستدلال وبعضهم مدرسون في الجامعات وغيرها ، ومنهم طلاب – وفقهم الله – لقبوله ، وفيهم أهل أهواء تركوا الحق وهم يعرفونه ، واتبعوا الباطل ، فهؤلاء لا يقال لهم : لا بد أن تقلدوا وإلا فتكونوا قد كذبتم الكتاب والسنة ، وكذبتم الإسلام ، أو يقال لهم : نسفتم الرسالات ، لا يقال لهم : هذا ولا ذاك ، وإنما يقال لهم ك عليكم أن تنظروا في الأدلة وتأخذوا بها كما فعل العلماء وطلاب الحق الصادقين ، ولا يجوز لكم أن تخالفوا العلماء الذين حكموا على فلان أو فلان بالأدلة الواضحة والبراهين القاطعة ، فهذا هو المنطق الذي قرره القرآن والسنة وعلماء الإسلام ، بخلاف ما يقرره فالح ويدعو إليه من التقليد الأعمى مخالفًا في ذلك هذا المنهج العظيم .

(20) أخذت هذا من كلام الإمام محمد بن عبد الوهاب الذي استمده من القرآن والسنة ومن كلام العلماء ، وفالح يرجف عليَّ بهذا الكلام ، وهذا الإرجاف لا يخصني ، فافهم قصد فالح منه .

(21) انظر أخي في هذه النصيحة التي ميزت فيها بين من يلزمه الاتباع ومن يجوز له التقليد في أربعة مواطن ؛ لتعرف أن فالحًا كاذب مباهت في إنكاره هذا التمييز والتفصيل على امتداد ما يقرب من خمس سنوات وتأكيده لهذا الجحود في كتابه الذي نناقشه الآن المسمى زورًا بـ ” التحقيق السديد ” .

(22) انظر ” المصارعة ” : ( ص 141 ) .

(23) انظر ” المصارعة ” : ( ص 142 ) .

(24) إن هذا الرجل من خريجي الجامعات ، وهو من الدعاة إلى الله في الجزائر ، ويُدرس في مسجده ” البخاري ” ، و ” تفسير ابن كثير ” ، و ” سبل السلام ” للصنعاني ، ومع هذا يهينه فالح هذه الإهانات ، ويحكم عليه بالأحكام الغليظة ؛ لأنه لم يقلده .

(25) انظر ” المصارعة ” : ( ص87 ) .

(26) انظر ” المصارعة ” : ( ص 142 ) .

(27) انظر ” المصارعة ” : ( ص 142 ) .

 

الرابط: https://rabee.net/?p=116

thumbnail-4
thumbnail-3
thumbnail-2