أنا لم أختر منهج الجرح والتّعديل، وإنّما أنا ناقد، رأيت بدعاً كثيرة وضلالاتٍ وطوامّاً تلصق بالإسلام، فبذلت جهدي، وفي حدود طاقتي -مع عجزي وضعفي- لنفي هذا الباطل عن الإسلام الذي أُلصق به ظلماً وزورا، لأنّ البدع والضّلالات والانحرافات من دعاة ينتمون إلى الإسلام لا سيما في عهد الغلوّ والإطراء، يعني تلصق بالإسلام وتنسب إلى الإسلام فعملت هذا لنفي هذا الباطل عن الإسلام.
سمّي جرحا أو تعديلاً أو سُمِّي ما سمَّي، أنا ما أُجرّح إنما أنتقد كلاما باطلا، وأبيّن منافاته للإسلام -بارك الله فيك- بالأدلة والبراهين، ومخالفاته للعقائد، ومخالفاته للمنهج الإسلامي، أبيّن هذه الأشياء التي تعتبر فقهاً في باب العقيدة والمنهج، بارك الله فيكم.
سمّى بعض النّاس ذلك جرحاً وتعديلاً، طبعا قد يدخل شيء من الجرح والتعديل خلال هذا النقد.
فأنا ما أُسمّي نفسي مجرّحا معدّلاً، إنّما أُسمّي نفسي ناقداً، ناقداً ضعيفا مسكينا، وما دخلتُ بحبوحة هذا النقد -بارك الله فيك- إلاّ لأنّ النّاس انصرفوا إلى أشياء أخرى من جوانب الإسلام يخدمها الإسلام.
وهذا يُيسَّر وكلّها خدمات تؤدّي إلى رفع راية الإسلام وإعلاء كلمة الله تبارك وتعالى.
هذا يتّجه إلى باب النقد، وذاك يتّجه إلى تصحيح الأحاديث، ولا نلوم هذا ولا ذاك.
هذا من فروض الكفايات، إذا قام به البعض سقط الحرج عن الباقين، فهذا يقوم بالفرض في هذا الجانب، الفرض الكفائي، وهذا يقوم بالفرض الكفائي في هذا الجانب، فهذا يؤلّف في العقيدة، وهذا يؤلّف في السنّة، يصحّح ويضعّف، ويتفقه، والنتيجة كلّها يكمّل بعضها بعضاً.
والقول بأنّ التبليغ والإخوان والجماعات هذه يكمّل بعضهم بعضاً، هذه مغالطات وخطأ، خطأ ممن ينسب إلى المنهج السلفيّ، ومغالطات من أهل الأهواء والضّلال، فإنّ البدعة لا تكمّل الإسلام أبدا.
فإذا كان هذا جنّد نفسه لرفع راية البدعة ونصرتها والدّعوة إليها، والآخر مثله، والآخر مثله، فإنّ هذه لا نرى إلاّ أنّها هدم للإسلام، ولا تكمّل من الإسلام شيئا وإنّما تنقّصه وتشوّهه.
وقوله: انتهى عهد الجرح والتعديل! هذا كذب، ما انتهى منهج النقد إلى يوم القيامة، ومنهج الجرح والتعديل لم ينته إلى يوم القيامة، ما دامت توجد البدع وتوجد الشّعارات الضّالّة، ولها دعاة وأئمّة ضلال لم ينته إلى يوم القيامة، وإنّه لمن الجهاد، بل أفضل من الضرب بالسيوف.
وعهد الرواية انتهى في القرن الثّالث فلماذا ابن تيمية رفع راية النقد وراية الجرح والتعديل؟! وهكذا الذهبي وابن القيّم وابن حجر وإلى آخره وإلى يوم القيامة.
ما دام هناك صراع بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، وبين أهل الحق والباطل، وبين أهل الهدى والضلال، فلابد من سلّ سيوف النقد والجرح والتعديل على أهل الباطل، وهم أخطر من أهل الرواية، وأولى بالجرح من الرواة الذين يخطئون شرعا وعقلا.
هؤلاء يخترعون بدعا ويتعمّدون بثّها في صفوف المسلمين باسم الإسلام.
وأمّا الرواة، فالكذابون قليلون ومحصورون، والبقية أناس طيّبون يخطئون فما سكتوا عنهم.
فإذا كان قد انتهى عهد الرواية فعهد النقد لم ينته، نقد أهل البدع وتجريحهم، وبيان ضلالهم وخطورتهم، وهذا مستمرّ إلى يوم القيامة وهو جهاد.
[الأجوبة على أسئلة أبي رواحة المنهجية]