نعم، هذا المنهج قائم ومستمر إلى يوم القيامة إن شاء الله، لأنه منهج إسلامي صحيح تقوم عليه حياة المسلمين، ويقوم عليها دينهم، ويحمى بها دينهم، وتحمى بها أعراضهم، وتحمى بها أموالهم، هذا منهج عظيم في الإسلام، لا يحط من شأنه إلا إنسان منحرف، فاسد التصور والتفكير، فنعم، هذا المنهج الآن ماش في الجماعات، وقد يزكي الرجل -وهو فاضل- بناء على الظاهر ولا يعرف حقيقة ما عليه هذا القوم، فيأتي إنسان يدرس كتبهم ويدرس واقعهم فيجد أن هذا الذي زكاهم قد وقع في خطأ من حيث لا يدري، فزكاهم بناء على الظاهر، هذا شيء حصل للأئمة الكبار، فكم من إنسان [عدّله] الإمام أحمد فقال تلاميذه الذين لا يصلون إلى شيء من فضله، عرفوا ما عند هؤلاء وما فيهم من قدح وما فيهم من جرح فأسقطوهم وإن كان قد زكاهم أحمد رحمه الله، وزكى الشافعي أناسا وجرحهم آخرون، وقُدِّم جرح هؤلاء -المفسر القائم على معرفة الحقيقة- على أقوال الأئمة الذين زكوا بناء على ما ظهر لهم، فاليوم يعني قد يأتي إنسان يدعي أنه طلب العلم ويتظاهر بالدين والنسك والأخلاق الطيبة ويجلس ويمكث أيام فتبني على الظاهر، أنا والله زكيت أناسا في هذا العام، والله لازموني وما شاء الله تنسك وكذا وكذا وكذا…، ثم ظهر لي جرحهم، أنا إذا صلى معي وزكى وذكر الله وسافر معي وإلخ، أشهد بما رأيت، ولا أزكي على الله أحدا، لكن يأتي إنسان آخر عرفه أكثر مني، وأكتشف عليه أخطاء واكتشف عليه أشياء تقدح في عدالته، فيجرحه بعلم ويبرهن على جرحه بالأدلة ويفسر جرحه، فيقَدَّم جرحه على تعديلي، وأنا استسلمت، قدم الأدلة على جرح هذا الإنسان، خلاص الحق معه.
فجماعة يعني جاءوا عند عالم من العلماء وقالوا والله نحن من أهل السنة، وندعوا إلى التوحيد ونحارب الشرك ونحارب القبورية وكذا وكذا، ورأيت فيهم الصلاح كتبت لهم إلى من يعاونهم فإنهم يدعون إلى كتاب الله وسنة الرسول، ثم راح ناس معهم خالطوهم عاشروهم -من طلاب العلم- فوجدوا أن الحقيقة تختلف تماما، وأن هؤلاء أهل بدع وأنهم صوفية وأنهم خرافيون، وقدم الأدلة على ما يقول فيُصَدَّق ويُقَدَّم على تعديلي أو تعديل هذا العالم، هذه قاعدة مضطردة مستمرة -إن شاء الله- في الأفراد وفي الجماعات إلى يوم القيامة.
السؤال: كيف السبيل للتمييز بين أهل الصدق والحق من أهل العلم وأهل البدع والفتنة وهل قواعد الجرح والتعديل الخاصة بالرواة يعمل بها في هؤلاء الأشخاص؟ [شريط بعنوان: لقاء مع الشيخ في مسجد الخير]
الجواب: يقول الله تبارك وتعالى ((إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)) على المسلم أن يتحرى الحق وأن يبحث عن أهل العلم في الله -تبارك وتعالى- في العلم الصحيح، وإذا تحرى فإنه سيفرق بين العالم الصادق والعالم المخلص والعالم الصحيح المنهج والعالم الصحيح العقيدة وبين من هو فاسد علمه في هذه النواحي كلها، [يميز] لأنه عنده عقل فعليه أن يبحث، أظن السائل يريد أن يسأل عما يجري في الساحة: إن مسألة الجرح والتعديل إنما هي خاصة بالرواة والآن ليس هناك رواة، بعض الناس يلبسون يدافعون عن أهل البدع والضلال فإذا تكلم مسلم وحذّر من أهل البدع كما هو دين الله الحق وكان عليه سلفنا الصالح بل دل على ذلك كتاب الله وسنة الرسول.
الرواية، صحيح انتهت من زمان ودونت سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام وميز بين صحيحها من ضعيفها وأفرد للموضوعات كتب وأفرد للصحاح كتب، وأفرد للأحاديث المعلة كتب، وتميز الحق من الباطل فيها، ولكن أهل البدع على مر الأيام لا يزدادون إلا ابتداعا ولا يزدادون إلا ضلالا وعندهم إمكانيات لنشر بدعهم، فإن باب الجرح لا يزال مفتوحا بل واجب، واجب على علماء المسلمين أن يحذّروا الناس من أهل البدع والضلال، فإنهم دعاة على أبواب جهنم كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتترك المسلمين يذهبون إلى النار على أيدي هؤلاء.
الذي لا يرى الجرح في أهل البدع قد خان الله وخان رسوله وخان الإسلام وفتح الباب على مصراعيه لأهل الباطل ولأهل البدع والضلال أن يجروا الناس إلى النار، والعياذ بالله، فباب الجرح في أهل البدع والضلال مفتوح وواجب يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، بيان حال الرواة واجب، النصيحة إن كان يستشيرك في إنسان يزوجه في إنسان يعامله في إنسان يوكله يجب أن تبين ما فيه يجب أن تذكر عيبه كما فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام حينما جاءته فاطمة بنت قيس فقالت: يا رسول الله إن معاوية ابن أبي سفيان وأبا جهم قد خطباني، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: “أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه” وفي رواية “فإنه ضراب للنساء” وهو بمعنى لا يضع العصا عن عاتقه، فنصحها وبين لها ما في هذين الصحابيين من عيب، فأخذ العلماء من هذا أنه يجب جرح الشهود، وفي باب الشهود قد يشهدون زورا فيجب جرحهم إلى يومك هذا وإلى يوم القيامة، ونقد الرواة وبيان ما فيهم، إن كان كذابا تقول: كذاب، وإن كان سيء الحفظ تقول: سيء الحفظ، وإن كان مدلسا تقول: مدلس، وغن كان وهم في حديث أو أحاديث تقول: وهم في هذه الأحاديث، وهذا أمر واجب حفاظا على دين الله تبارك وتعالى، وإلا لو استرسل العلماء العواطف ومع مراعاة مشاعر الرواة لضاع دين الله تبارك وتعالى، قال بعد ذلك ابن تيمية: “وكذلك في دعاة البدع واجب باتفاق المسلمين بيان حالهم“، فالذي يقول لا يجوز الجرح الآن مخالف للإجماع ويخالف منهج الله الحق ويكون غاشا للمسلمين، ويحكي النووي الإجماع على هذا، ويحكي ابن رجب ويحكي غيره من العلماء: أنه يجب القدح والطعن فيمن يضر بالمسلمين في دينهم أو دنياهم، يجب طعنه والقدح فيه، ولكن لا لأجل الهوى وإنما نصيحة للمسلمين، وبهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “فإن تطهير شريعة الله وسبيله ومنهاجه واجب في رد بغي هؤلاء على الدين وعدوانهم عليه ولولا من يهيؤه الله لرد بغي هؤلاء وظلمهم لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو على بلاد المسلمين لأن العدو لا يفسد القلوب إلا تبعا، وأما هؤلاء -يعني- أهل البدع فإنهم يقصدون ابتداءا إلى إفساد القلوب” إلى إفساد العقائد إلى إفساد المناهج، وقال كثير من علماء الإسلام: إن أهل البدع أضر على الإسلام من الملاحدة والكفار، وشبهوا أهل البدع بإنسان مجرم داخل البيت ويخرب البيت من الداخل والعدو يحاصر البيت من الخارج، فيفتح هذا -بعد أن يخرب البيت- يفتحه للعدو الخارجي، وفعلا، كم أضر الروافض بالإسلام والمسلمين، والخوارج أضروا بالإسلام والمسلمين، وكان ضررهم على الإسلام والمسلمين أشد من ضرر اليهود والنصارى والملاحدة، وأهل البدع من الصوفية الذين نشروا القبور وعقّدوا المسلمين للناس وبثوا فيهم العقائد الفاسدة بأن الولي الفلاني يعلم الغيب ويتصرف في الكون ويفعل ويفعل
لكما يحمل عرش ربك همة ويد من الأيدي التي بنت السماء
واحد شاعر يمدح في أناس يعتقد أنهم من أولياء الله فيقول:
لكما يحمل عرش ربك همة…
هما يحملان العرش
…. ويد من الأيدي التي بنت السماء
يقول: إنهم شاركوا في بناء السماء
ويحيط سركما الوجود فليس شيء يخفى عنكما
هذه قصائد تردد في كثير من البلدان، ويرددها أغبياء المسلمين، وهي أكفر من كفر اليهود، أغرق في الشرك من كفر اليهود والنصارى، والعياذ بالله، ويرددوها على أنها قصائد إسلامية، بعض الطغاة، طواغيت من الصوفية يقول:
وكنت عين وجود القد في أزل يسبح الكون تسبيحا لإجلالي
يقول: كنت أنا الله في الأزل، عين وجود القد، كنت ذاته أنا في الأزل.
وكنت عين وجود القد في أزل يسبح الكون تسبيحا لإجلالي
والعرش والفرش والأكوان أجمعها الكل في سعتي…
كل الكون بما فيها الذرة ما ترك شيء، فطغى هؤلاء وادعوا الألوهية، وعبّدوا الناس لغير الله تبارك وتعالى، وبثّوا فيهم هذه العقائد الفاسدة، الأولياء يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون ويجيبون دعاء المستنجدين والمستغيثين إلى آخر الترهات التي أفسدوا بها حياة المسلمين.
هؤلاء حربهم وبيان حالهم واجب، حتى من غير هؤلاء أي صاحب بدعة يدعوا إليها ويقول هذا من عند الله، يقال له: كاذب، هذه ليست من عند الله، ويجب أن يحذّر الناس منه، ويبين أنها هذا بدعة وضلالة كما قال الرسول: “وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار“.
[شريط بعنوان: لقاء مع الشيخ في مسجد الخير]