بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، مرتكب الكبيرة قد بينه الله تبارك وتعالى في محكم كتابه وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في محكم كتابه، المسلم الملتزم لدين الله ولأحكامه إذا ارتكب كبيرة وتاب منها إلى الله فإنه في نظر كل من ينتمي إلى الإسلام من الفرق -يعني- من الناجين عند الله -تبارك وتعالى- يوم القيامة، وأما إذا ارتكبها وأصر عليها ومات مصرا عليها فإن الله -تبارك وتعالى- قد قال في محكم كتابه: ((إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء))، فالشرك والكفر ذنبان لا يغفران أبدا.
الكفر: إذا كفر بالله أو بصفاته جاحدا متعمدا بدون تأويل، أو كفر بنبي من الأنبياء أو برسول من الرسل أو بجميع الأنبياء والرسل أو بالملائكة أو بشيء من أسس الإسلام هذا كفره لا يغفر.
الشرك: إذا دعا غير الله، ذبح لغير الله، طاف بالأصنام، اعتكف لها أو فعل مثل هذه الأشياء للقبور، وإذا كان هو مسلم وأقيمت عليه الحجة، وبين له من كتاب الله ومن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام أن هذا شرك وأن هذا كفر قال الله كذا قال الله كذا قال رسول الله كذا ثم أصر على ارتكاب هذا الشرك والاستمرار فيه فإنه كافر وينطبق عليه حكم الكفر والشرك بالله تبارك وتعالى.
وإن كان ذنبا من الذنوب كالزنا وقتل النفس وشرب الخمر وما شاكل ذلك مما دون الشرك بالله -تبارك وتعالى- فقد بين الله -تبارك وتعالى- ذلك في كتابه وفي سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد أوجب على شارب الخمر الجلد، وأوجب على القاتل القصاص وسماه أخا، وعن الفئتين المتقاتلتين إذا قتل بعضهم بعضا أمر الله بالصلح بينهما، وسماهم إخوة، وهذه -لاشك- أن كلها كبائر، وإذا سرق بين الله حده تقطع يده، وإذا حارب وقطع الطريق وقطع السبل وفعل وفعل فـ((إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف)) تولى الله بيان ذلك، وما أقيمت عليهم هذه الحدود وأجري فيهم القصاص وما شاكله إلا لأنهم مسلمون، ولو كانوا كفارا لحكم الله بردتهم وأمر بقتلهم قتل المرتدين “من بدل دينه فاقتلوه”.
هذا هو المنهج الإسلامي الصحيح الذي جاء به الكتاب والسنة وعليه سلف هذه الأمة الصالحون رضوان الله عليهم، وانحرفت فرق وغلت وخرجت عن الخط المستقيم والمنهج السوي فمنهم من أفرط في رجاء مغفرة الله تبارك وتعالى، وتعلق بنصوص الوعد وقال: إنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، مهما ارتكب من الذنوب فإنه كامل الإيمان، إيمانه مثل إيمان جبريل يدخل الجنة ونصوص الوعيد لا تنطبق عليه، إنما تنطبق على الكفار، وأما العصاة المرتكبون للكبائر فلا تنطبق عليهم هذه النصوص، وهذا تفريط وانحراف عن المنهج السوي.
وقابلهم آخرون غلوا وتمسكوا بنصوص الوعيد وكفّروا مرتكبي الكبائر في الدنيا واستباحوا أموالهم ودماءهم، وهذا رأي الخوارج، وقال المعتزلة: إنه يخرج بارتكاب الكبيرة -طبعا وعدم التوبة منها- يخرج من دائرة الإسلام، يخرج من دائرة الإيمان ولا يدخل في دائرة الكفر وسموها: المنزلة بين المنزلتين، هذا حكمه في الدنيا ولا يباح دمه ولا ماله لكنه في يوم القيامة خالد مخلد في النار ولا تقبل فيه شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا شفاعة الأنبياء ولا شفاعة الشافعين، هذا تفريط وذلك إفراط والحق هو الوسط والمنهج السوي الذي دل عليه كتاب الله وكان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم، هذا باختصار وإيجاز كما طلب السائل.
[شريط بعنوان: التكفير ومرتكب الكبيرة]