هذا مما يحتج به أهل الأهواء على منهج الموازنات! وأظن هذا كأنه حصل له تشويش.
فرق بين المحبة وبين الموازنات؛ يعني تحب إنسان وقع في معصية؛ يعني تحذِّره من معصيته ولا تذهب تسرد حسناته؛ لا يجب عليك, لا يجب عليك أن تذكر حسناته, فشيخ الإسلام يقول: إن بعض الناس إذا أحب شخصا؛ رأى فيه خيرا أحبه حبا مطلقا ومعاصيه يدفنها؛ هذا ليس إلا للصحابة -نستغفر الله العظيم-؛ الصحابة نذكر محاسنهم ولا نذكر شيئا من مثالبهم, وأما أهل البدع والضلال فنذكر بدعهم ونحذِّر منها, أما أئمة الهدى فإنهم إن أخطأوا نبين أن هذا خطأ مع احترامنا وتقديرنا لهم, حبنا لهم لا يجيز لنا أن نروِّج لأخطائهم ونقول: إنها حسنات, ولو كان المخطئ من الصحابة؛ لا يجوز أن نزين خطأه بل نقول خطأ مع احترامنا وتقديرنا وحبنا له, لكن النصح لله يقتضي منا أن نبين خطأ هذا المسلم الذي نحبه ونجلّه, أما إذا كان مبتدعا ولا سيما الدعاة إلى الضلال؛ فهؤلاء نذكر بدعهم ولا يلزمنا أن نذكر من محاسنهم شيئا, أبدا, أما الصحابة فلا يجوز أن نبحث في مساوئهم؛ نذكر حسناتهم فقط ويكفي, إذا كان عنده خطأ أن نبينه مع الاحترام والتقدير.
وقد بين السلف؛ يعني ردّوا شيئا من كلام ابن عباس, شيئا من كلام عمر, شيئا من كلام ابن مسعود وشيئا من كلام غيرهم؛ إذا اجتهد وأخطأ نقول: اجتهد فأخطأ, هذا الخطأ يخالف النص الفلاني من القرآن أو يخالف النص الفلاني من الكتاب أو السنة مع الإيمان باجتهاده وإخلاصه وصدقه.
فهذا ليس فيه دليل لأهل الموازنات؛ لأن شيخ الإسلام يقصد أن: بعض الناس إذا أبغض إنسانا لا يحبه ويعاديه وهكذا وإن كان فيه خيرا! ويكون يعني مرجعه هو هواه! هذا الحب راجع إلى هواه, أحب شخصا مدحه مدحا مطلقا، وإذا أبغض شخصا لا ينظر إلى حسناته مثلا يهدرها تماما, نحن لا نهدر حسنات الناس, نقول: حسناته الله يعطيه, نحن ليس قصدنا إهدار حسناته إذا نحن حذرنا منه؛ قصدنا التحذير من الشر الذي وقع فيه لهذا تجد في كتب الجرح والتعديل: فلان كذاب, فلان سيء الحفظ, فلان كذا ولا تذكر حسناته, اقرؤوا كتب الجرح والتعديل وكتب التجريح الخاص وكتب التعديل الخاص؛ هذا الذي نصنفه في كتب الثقات الخاصة بالثقات؛ يعني هؤلاء الثقات ليس لهم أخطاء وليس لهم معاصي ؟! لهم معاصي ولهم أخطاء, لكن يُقال ثقة وفاضل وحجة ونمشي, وهؤلاء الذين صنفوهم في كتب الجرح الخاص ليس لهم حسنات إطلاقا ؟! لهم حسنات, لكن المقصود بيان خطئه في الرواية, بيان البدعة التي وقع فيها؛ فلان مرجئ, فلان قدري, فلان كذا, من المتأخرين تقول: فلان صوفي, حلولي, عنده وحدة وجود, عنده تعلق بالقبور, يذكر هذه القضية ويمشي لأن قصده النصيحة.
أنت لا يجوز لك أن تذكر مبتدعا أو مخطئا للتشفي إنما للنصح لله ثم لكتابه ثم لرسوله ثم لأئمة المسلمين ثم لعامة المسلمين؛ عامة المسلمين كثير منهم لا يدركون ولا يميزون بين الحق والباطل, فقد يأخذ الباطل إذا صدر من فلان -خاصة إذا كان إماما-؛ قد يأخذ منه الخطأ, وإذا كان مبتدعا وله شهرة وملأوا الدنيا بصيته فيُخدع به كثير من الناس.
فمن الواجب المحتم على المسلم أن ينصح للمسلمين ويبين ما عند هذا الإنسان من خطأ إن كان من أئمة الإسلام, وما عند المبتدعين من بدع وضلال إذا كان من أئمة البدع والضلال, وكلام شيخ الإسلام لا يقصد هذا الكلام؛ يقصد أن بعض الناس يحب لهواه ويبغض لهواه.
[فتاوى في العقيدة والمنهج (الحلقة الثالثة)]