بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فإجابة على السؤال الأول: قد كتب العلماء في هذا الموضوع: الطريق في طلب العلم وكيف يتدرج الإنسان ويترقى فيه وما يلزم ذلك من التجرد والإخلاص لله رب العالمين، الذي هو أساسٌ في طلب العلم، لأن طلب العلم عبادة ومن أفضل ما يتقرب به إلى الله، بل وأفضل من جميع التطوعات، التطوع في الجهاد والصلاة وغير ذلك من التطوعات، لأن السعادة في الدنيا والآخرة متوقفة على العلم الذي جاء به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، الذي أوحاه إليهم رب العباد، الذي خلق الخلق لعبادته وأرسل الرسل لهداية البشر إلى ما يسعدهم في الدنيا والآخرة، وعلى كل حال الرسول ربى أصحابه على القرآن -عليه الصلاة والسلام- وكان يعلمهم عشر آيات عشر آيات، يحفظونها ويتفقهون فيها ولا ينتقلون إلى غيرها إلا بعد أن أتقنوها علما وعملا.
فأنصح طلاب العلم بالعناية بالقرآن حفظا ودراسة وتفهما وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبدأ من العقائد بالمنهج الذي اختاره أئمة الدعوة فيبدأ في العقيدة في توحيد العبادة بكتاب التوحيد أو الأصول الثلاثة وكشف الشبهات وأعمها وأحسنها ترتيبا وأوفاها هو “كتاب التوحيد” الذي يندر أن يؤلف مثله في أبواب هذا التوحيد
ثم شروح هذا الكتاب “فتح المجيد” و“تيسير العزيز الحميد” و“قرة عيون الموحدين” وما شاكل ذلك، بالإضافة إلى الرجوع إلى كتب التفسير المتعلقة بالآيات التي تتصدر أبواب هذا الكتاب، فإن ذلك مما يوسع معرفة الطالب ويفتح أمامه آفاق علمية.
وفي توحيد الأسماء والصفات كتب شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى- “الواسطية”، ثم “الحموية”، ثم “التدمرية” ثم يتلوها شرح ابن أبي العز على العقيدة الطحاوية.
وفي الأحكام ومعرفة الحلال والحرام والمعاملات وما شاكل ذلك، يأخذ “بلوغ المرام” أو “عمدة الأحكام” وإن استطاع حفظ ذلك فيا حبذا، ويرجع إلى شروح مثل هذين الكتابين.
ثم يتدرج بعد ذلك في هذه الأبواب الثلاثة فيأخذ من كتب اللغة ما يساعده على فهم مراد الله تبارك وتعالى، ومن أبواب اللغة النحو والصرف والمعاني والبيان وما شاكل ذلك، فإن هذه يعرف بها مراد الله من القرآن، ويعرف بذلك إعجاز القرآن.
ويأخذ من أصول الفقه، يتدرج مثلا من “الورقات” إلى “الروضة” إلى ما شاكلها، حتى تتوافر العلوم التي تساعده على فهم كتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا.
هذه البداية وينطلق منها بعد ذلك إلى كتب العقائد الموسعة، كتب السلف وهي كثيرة وإلى شروح السنة مثل “سبل السلام”، “المنتقى”، “فتح الباري” وما شاكل ذلك من الكتب التي اعتنت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شرحا وبيانا، مع تجنب الإنحرافات العقدية التي قد توجد في بعض هذه الكتب ولا سيما “فتح الباري”، صاحب “الفتح” – رحمه الله- وقع في تخبط في الصفات والعقيدة ليته كان تجنبها، ولو تجنبها لكان شيخ الإسلام الثاني بعد ابن تيمية، ولكن لله في خلقه شؤون.
ثم يتدرج في كتب السنة يقرأ “البخاري” و“مسلم”، “أبو داود”، “الترمذي”، “النسائي”، “ابن ماجه”، ويتوسع في علوم الحديث لأن العلوم كلها ما عدا الكتاب والسنة كلها وسائل، بما في ذلك كتب الفقه، كلها يجب أن يتخذها المسلم وسائل مساعدة، تساعده على فهم مراد الله وفهم مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من السنة، ولا يركن إلى التقليد الأعمى الذي ضرب بجرابه الأمة وخلفها قرونا وقرونا وصارت في مؤخرة الأمم، فوالله إن هذا التقليد لمن العوامل الشديدة التي أخرت المسلمين، أنا لا [أدع] الناس أن يخرجوا من أصل التقليد، لكن الكثير الكثير من الناس يستطيعون أن ينهضوا بالأمة، ويرفعوا راية الاجتهاد على طريقة السلف الصالح، وعلى هذا الأمر استمرار الجهاد في هذه الأمة احتج الإمام أحمد – رضي الله عنه ورحمه- بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي وعد الله تبارك وتعالى” على استمرار الاجتهاد في هذه الأمة، كذلك يبعث الله في هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، والأمة الآن بأمسّ الحاجة إلى علماء من أمثال أحمد وابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب علما وشجاعة وصدعا بالحق وقمعا للباطل، وإلا فالمسلمون إذا استمروا على هذه الأوضاع فنسأل الله العافية، ماذا سيستقبلهم من الكوارث، تحتاج الأمة إلى مجددين، فمن يأنس من نفسه الذكاء والفهم والوعي فعليه أن يجند نفسه ليتسلم نصبة الراسخين في العلم المجتهدين المجاهدين الذين يبلغون رسالات الله على إثر الرسل، ولا يخافون في الله لومة لائم، فإن العلماء هم ورثة الرسل – عليهم الصلاة والسلام -، ولا يستحق هذه المرتبة مرتبة الوراثة إلا من سلك مسلكهم في الدعوة إلى الله إلى توحيد الله، إلى إخلاص الدين لله، إلى محاربة الرذائل والمعاصي والبدع، كما هو شأن المصلحين في كل مكان وزمان، فنحن لا نحتاج فقط إلى تحصيل العلم، ثم نرقد ونجمد ونموت ونهبط بالأمة، بل إلى علماء ينهضون بالأمة، ينفخون فيها روح الحياة، أن يذب عليها من طريق التقليد الأعمى في العقيدة والعبادة والشريعة، أعيد مرة أخرى، لا يتصدى للجهاد كل من هب ودب، وإنما الأكفاء الذين يتمتعون بالمواهب والطاقات والعلم الواسع الذي يؤهلهم لهذه المرتبة والمنزلة الرفيعة في العلم، فليدرك كل واحد من شباب الأمة أن الأمة بأمس الحاجة إلى هذه النوعيات الطيبة المباركة، فمن أنس من نفسه قدرة تخدم الإسلام فليجند نفسه للعلم و[ليتخلص] من أعباء الدنيا والمشاغل وليسخر طاقاته وإمكانياته كلها في تحصيل العلم والدعوة إلى الله تبارك وتعالى على طريقة الرسل والمصلحين، فنسأل الله أن يهيئ ذلك لهذه الأمة، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
[شريط بعنوان: سبيل النصر والتمكين]