هذا فيه تفصيل:
إن كان ما وقع فيه من الكفر أمرا معلوما من الدين بالضرورة ثم وقع فيه، فهذا لا يعذر، إذا وقع فيه يكفر، أنكر وجوب الصلاة، أنكر وجوب الحج، أنكر أمرا آخر معلوما: تحريم الخمر، أنكر تحريم الزنا، فهذه من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، فإذا وقع فيها حكم عليه بالردة ويستتاب فإن تاب ورجع إلى الله تُرِك، وإن لم يرجع قُتِل قُتْل المرتدين.
وإن كان هذا الذي وقع فيه من الكفر مما يخفى وليس معلوما من الدين بالضرورة فهذا لا يكفّر حتى يناقش ويناظر وتقام عليه الحجة، فإذا أقيمت عليه الحجة بالأدلة والبراهين وأصرّ على الاستمرار والتمادي في هذا الكفر فحينئذ يكفّر، وهذا هو قول السلف الصالح.
وأما من وقع في البدع فإن كانت هذه البدعة أيضا أمرا معلوما من الدين بالضرورة وقع فيه كالقول بخلق القرآن أو تعطيل صفات الله أو شيء آخر من الأمور التي قد تخفى على بعض الناس وقد تكون واضحة عند بعض الناس…إن كان مما هو ظاهر يبدّع كالقول بخلق القرآن، يعيش وسط أهل السنة ما شعروا إلا وانبرى يقول بخلق القرآن يدافع عن أهل البدع المعتزلة والخوارج وأمثالهم، هذا يبدّع رأسا، ومن هنا كان الإمام أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم وأئمة الإسلام إذا قال أحدهم بخلق القرآن كفّروه ما بدّعوه، حتى إن ابن أبي حاتم نقل عن أبي زرعة وعن أبي حاتم أن الذي يقول بخلق القرآن يكفر كفرا يخرجه من الملة، هكذا نص ابن أبي حاتم عن شيخيه أبي حاتم وأبي زرعة، طبعا قد يقول غيرهم كفر لا يخرج عن الملة أو يقول بأي تأويل، الشاهد: أنهم لا يترددون في أنه مبتدع جهمي إذا قال بخلق القرآن وبعضهم قد يكفروه ويروا كفره مخرجا من الملة.
وإذا كانت هذه البدعة مما يخفى على الناس والتبس عليه الأمر وهو معروف بالسنة وتحري الحق ثم -يعني- وقع له حديث ضعيف ظنه صحيحا، فبنى عليه فوقع في البدعة، أو يجتهد في فهم النص ويريد الوصول إلى الحق لكنه أخطأ في فهم هذا النص ولم يعرف مراد الله ولا مراد رسوله ووقع في بدعة -وهو على هذه الحالة- فإننا لا نبدّعه، بل نعذره، وإن تمكنا من مناقشته وناقشناه فرجع فالحمد لله وإذا نوقش ولم يرجع فقد يبدع، وإذا لم نناقشه ولم نتمكن من مناقشته أو الرد عليه فلا نبدعه.