أقول: إن الأمر كذلك إذا كان المتكلم لأغراض شخصية ولهواه، أما إذا كان لنصيحة المسلمين وتحذيرهم من الوقوع في الشر وفي البدع والضلالات فإن هذا واجب بإجماع المسلمين، التحذير من البدع والضلالات واجب من أعظم الواجبات، ولا يقوم العلماء بالنصيحة حق النصيحة ولا بواجب الدعوة إلى الله وواجب تبليغ رسالة الإسلام إلا إذا قدّموا الإسلام خالصا نقيا كما تركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، وأن يطهروها -هذه الشريعة- من كل ما يشوبها من أهواء البشر ومن ضلالاتهم ومن انحرافاتهم سواء كان ذلك في العقائد أو في العبادات والأعمال، لكن الذي يلزم هذا الناصح وهذا المحذر هو أن يكون قاصدا بذلك وجه الله ناصحا للأمة محذرا لهم مما يضرهم في دنياهم وفي أخراهم، أما إذا كان يتكلم لأغراض شخصية ولأهواء -فلو بات يعبد الله عز وجل ويصلي ويبكي وهو يرائي- فإن هذا يكون من أقبح الأعمال إلى الله عز وجل، ولو قرأ القرآن ويبكي أمام الناس ويقرأ حديث رسول الله ويبكي أمام الناس وهو لا غرض له إلا أن يقال: فلان قارئ وفلان كذا وفلان داعي وفلان خطيب، فإن ذلك كله -فعلا- يدخل فيما يقسي القلوب وفيما يدخل في سخط الله عز وجل.
فالشاهد من هذا الكلام: إن المتكلم الناصح إن كان يريد بذلك النصح وجه الله -تبارك وتعالى- وتحذير المسلمين فهذا -إن شاء الله- مما يزيد الإيمان، لأن الرد على أهل البدع جهاد والذب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من الضرب بالسيوف كما قال ذلك أبو عبيد القاسم بن سلام ويحيى بن يحيى التميمي ونقله ابن تيمية رحمه الله، ويعتبر هذا من جنس جهاد الرسل -عليهم الصلاة والسلام- في تبليغ دعوة الله وتقديم النصائح الهادية للناس لمنهج الله الحق.
[شريط بعنوان: توجيهات ربانية للدعاة]