لا نستطيع أن نوجب عليه أن يقرأ كتاب “تهذيب التّهذيب”، وإنّما إذاكان يريد أن يحكم على الأحاديث بالصّحة والضعف وغيرها من الأحكام والأسانيد فعليه أن لا يصدر حكما إلاّ بعلم، يعرف قواعد المصطلح، ويعرف قواعد الجرح والتّعديل، ويعرف كلام العلماء في أبواب الجرح والتعديل، وما يلزم ويتطلبه الحكم على حديث أو شخص مجروح أو توثيق من يستحق مرتبة الثقة، فلا يتكلم إلاّ بعلم, وكلّ هذا يدخل في قول الله تبارك وتعالى: ((ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا))، وإذا قرأ كتب التخريج ويريد الاستفادة منها فبالممارسة يعرف كيف يستفيد، ثم يقرأ كتب العلل لابن أبي حاتم وللدارقطني وغيرهما، وينظر كيف يعللون وكيف يحكمون وكيف يرجحون عند الاختلاف فيعرف منهجهم, ويقرأ كذلك في كتب التخريج مثل نصب الراية للزيلعي، والتلخيص الحبير لابن حجر، وكتب الألباني, وبقراءة هذه الكتب وممارستها ومعرفة طرق التصحيح والتضعيف والتعليل والترجيح وما شاكل ذلك يعرف بعد ذلك إن كان مؤهلا، لأن الناس يتفاوتون, فيه أناس أعطاهم الله ذكاء ومواهب وأهّلهم لأن يسيروا في ركاب أئمة الحديث وأئمة الجرح والتعديل.
وهناك أناس ليسوا مؤهلين لهذا, حتى كثير من المحدثين لم يدخلوا في باب الجرح والتعديل ولا باب التصحيح والتضعيف والتعليل, تركوا هذا الشأن لأهله من كبار النقاد، من أمثال شعبة وسفيان الثوري ويحي بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ثم طبقة تلي هؤلاء مثل الإمام أحمد ويحي بن معين وعلي بن المديني ثم البخاري وأقرانه كأبي زرعة وأبي حاتم وهكذا إلى يومنا هذا، لا يتصدى لهذه الأمور إلا أناس منحهم الله مواهب وأهّلهم بها للنهوض بهذا الشأن.
[أسئلة وأجوبة مهمة في علوم الحديث (الحلقة الأولى)]