طالب العلم بين أمرين:
إما أن يكون في البداية، فهذا يحتاج إلى التسليم، يعني يأخذ ما صححه البخاري بالتسليم، ويأخذ ما صححه غيره من المحدثين بالتسليم.
وإن كان قد تعلم وشدا في العلم وبرع في علم الحديث، وتمكن من التمييز بين الصحيح والضعيف فأمامه الصحيحان قد تلقتهما الأمة بالقبول وليأخذ بهذا الإجماع ولا يخالفه، وأمامه كتب السنن والجوامع والمعاجم والمسانيد والأجزاء والمستخرجات وغير ذلك، فإذا كان متمكنا وأتى إلى تصحيح أو تضعيف إمام من أئمة هذه الدواوين التي ذكرت الآن، فعليه أن يعرف الحق عن طريق الدراسة والبحث، ويستعين بكلام هؤلاء الأئمة أنفسهم، وقواعدهم في التمييز بين الصحيح والضعيف، والقول بأن التصحيح والتضعيف قد أغلق بابه قول غير صحيح، وقد رد العلماء كلمة هذا القائل وهو ابن الصلاح -رحمه الله- فلم يتوقفوا عن الاجتهاد في التصحيح والتضعيف، ولم يرفعوا رأسا بما قاله حتى من تلاميذه، واستمر كل واحد منهم يعمل بما عنده من المعرفة بالقواعد والمناهج، فيصحح ويضعف على ضوء هذه القواعد والمناهج، فقد يحتج في دراسته بكلام أهل العلم ومناهجهم بأحاديث معينة قد صححها بعضهم وضعفها بعضهم فيتوصل إلى الراجح من خلال هذه الدراسة، وأيضا إن هذه الأحاديث قد يقوم عليها بالصحة والضعف غيرها من الأحكام، فيجب أن يصحح ويضعف، فيقوم هو -يعني- كما يقال بعمليات ترجيح في ضوء هذه الدراسة العلمية التي يجب أن يرافقها الإخلاص لله رب العالمين والصدق في طلب الحق، فإذا توصل إلى ترجيح تصحيح هذا أو تضعيف ذاك فعليه أن يأخذ بما يتوصل إليه بنفسه، وأن لا يقلد هذا أو ذاك.
والحاصل أن موقف المسلم من التصحيح والتضعيف، إما أن يكون مبتدئا فيأخذ بتصحيح غيره وتضعيفه، وإما أن يكون متمكنا ضابطا لقواعد علوم الحديث وبارعا في الجرح والتعديل، أو يفهم كيف يرجح ويجرح ويعدل، فإن عليه كما قال الحافظ ابن حجر عليه أن يجتهد فلا يقلد أبا داود ولا الترمذي ولا النسائي ولا من بعدهم، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وباب الإجتهاد باب مفتوح في أبواب الفقه والتصحيح والتضعيف.
[أسئلة وأجوبة مهمة في علوم الحديث (الحلقة الأولى)] [شريط بعنوان:الأجوبة المدخلية على الأسئلة المنهجية]