العرف معتبر في الشريعة الإسلامية، قال الله تعالى في بيان معاشرة الزوجات ((وعاشروهن بالمعروف)) وقال ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم)) وقال تعالى ((وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلكم يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر)) من هذه الآيات ونحوها قال الأئمة باعتبار العرف وقالوا العادة محكّمة أي في العرف، إذا نص الشارع على حكم وعلّق به شيئا فإن نص على حدّه وتفسيره وإلا رجع إلى العرف الجاري، في حقوق الزوجات، في نفقتهم وكسوتهم وسائر المعاملات، وكذلك في بر الوالدين وصلة الأرحام، وكل ما يعتبره عرف واحد فهو من ذلك، فإذا اختلفت الأعراف من بلد إلى بلد راعى أهل كل بلد عرفهم.
فإنه يجب على المسلمين إذا خالفت هذه الأعراف نصوص الشريعة فإنه يجب عليهم أن يتركوا هذه الأعراف ويمسكوا بشرع الله تبارك وتعالى، فقد يسود في بلد ما خرافة من الخرافات أو تقليد لأعداء الإسلام، مثل حلق اللحى أو اللباس الذي يشاركون فيه المشركين أو مظهر من المظاهر أو أي عادة وهي قد تخالف تعاليم الإسلام فهي من الأعراف الفاسدة.
وهناك أمثلة نذكرها لكم، كيف يراعى العرف، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: لا يجوز للمفتي أن يفتي في الإقرار والحرمان والوصايا وغيرها ثم يتعلق باللفظ لما اعتاده هو لفهم تلك الألفاظ دون أن يعرف عرف أهلها والمتكلمين بها، فيحملها على ما اعتادوه وعرفوه وإن كانت مخالفة لحقائقها الأصلية، فإن لم يفعل ذلك ضل وأضل، فلفظ الدينار عند طائفة اسم لثمانية دراهم وعند طائفة عشرون درهما، والدرهم عند هذه البلاد يشمل المغشوش، فإذا أقر له بدراهم أو حلف ليعطينه إياها أو أصدقها امرأة لم يجز للمفتي ولا للحاكم أن يلزمه بالخالصة، فلو كان في بلد إنما يعرفون الخالصة لم يجز له أن يلزمه بأن يلحق المغشوشة، وكذلك ألفاظ الطلاق والعتاق فلو جرى عرف أهل بلد أو طائفة في استعمال لفظ الحرية في العفة دون العتق، فإذا قال أحدهم عن مملوكه إنه حر أو عن جاريته إنها حرة وهو أراد استعمال ذلك في العفة لم يخطر بباله غيرها لم يعتق بذلك قطعا، وإن كان اللفظ صريحا عند من ألف استعماله في العتق،
وكذلك إذا جرى عرف طائفة في الطلاق بلفظ التسميح بحيث لا يعرفون لهذا المعنى غيره، فإذا قالت: “اسمح لي” وقال: “سمحت لك” هذا صريح في الطلاق عندهم.
ولو حلف أن لا يركب دابة في موضع عرفهم لفظ دابة الحمار
أو حلف لا يأكل تمرا في بلد عرفهم في التمار نوع واحد لا يعرفون غيره
أو حلف لا يلبس ثوبا في بلد عرفهم في الثياب القمص وحدها دون الأردية والأزر والجباب، تقيدت يمينه بذلك وحده في جميع هذه الصور واختصت بعرفه دون موضوع اللفظ لغة أو في عرف غيره،
لو قال رجل لآخر أنا عبدك ومملوكك عل جهة الخضوع له كما يقوله الناس، لم يستبح ملك رقبته بذلك، ومن لم يراع المقاصد والنيات والعرف في الكلام، فإنه يلزمه أن يجوز له بيع هذا القائل وملك رقبته بمجرد هذا اللفظ، وهذا باب عظيم يقع فيه المفتي الجاهل، فيغر الناس ويكذب على الله ورسوله، ويغير دينه ويحرم ما لم يحرمه الله، ويوجب ما لم يوجبه الله والله المستعان.
والحاصل إنه إذا اختلفت الأعراف في النفقات وفي المساكن وفي الملابس وفي العملات وغيرها، فيجب أن تراعى تلك الأعراف وإلا يكون المفتي أو الحاكم ظالما وضالا مضلا إذا لم يراعي هذه الأعراف ولم يراعي نيات ومقاصد المتكلمين وأصحاب العرف، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[شريط بعنوان:اللقاء الهاتفي الأول 25-02-1416]